واجيب عنه : بأنّ « قبح كثرة التخصيص لا يدور مدار كون الخروج بعنوان واحد أو بعناوين إذا كان المخصّص منفصلاً بل لابدّ في دفعه من أن يكون إخراج الجميع بجامع عرفي يقف عليه المخاطب ، وإلاّ لو فرض وجوده الواقعي وفرض غفلة المخاطب عنه ، بل كان التخصص عنده ، بغير هذا الجامع فلا يخرج الكلام من الاستهجان » (١).
أقول : المراد من كثرة التخصيصات هنا هو « ما يتراءى في بادىء النظر من وجود أحكام ضرريّة كثيرة في الشريعة كوجوب الأخماس والزكوات وأداء الديّات وتحمّل الخسارات عند الاتلاف والضمانات وغير ذلك ممّا تتضمّن ضررياً مالياً ، وكوجوب الجهاد والحجّ وغيرهما ممّا تحتاج إلى بذل الأموال والأنفس ، وكوجوب تحمّل الحدود الشرعيّة والقصاص وأشباهها ممّا تتضمّن ضرراً نفسيّاً أو عرضياً » ، ولكن قد مرّ سابقاً عدم كون هذه الأحكام ضرريّة بأدنى تأمّل ، والشاهد على ذلك وجودها وتداولها عند العرف والعقلاء فإنّهم لا يزالون يحكمون بلزوم بذل الخراج والعشور والخروج إلى الجهاد وأداء وظيفة النظام وغيرها فلا يرونها ضرراً عليهم بل يرونه نفعاً بمنزلة القاء البذر في الأرض ، الذي يعدّ ضرراً في النظر البدوي السطحي ، مع أنّه سوف يترتّب عليه نتائج وثمرات مضاعفة.
وبعبارة اخرى : إنّ صلاح المجتمع صلاح لكلّ فرد فرد ولا يصحّ التفكيك بينهما عند العرف والعقلاء ، فبصلاح المجتمع يقوم صلاح الأفراد ويحفظ منافعهم.
فلا يلزم حينئذٍ تخصيص من هذه الناحية أصلاً ، فضلاً عن لزوم تخصيص الأكثر ، نعم هيهنا اطلاقات قليلة تتقيّد بهذه القاعدة ، وهذا ليس بعزيز.
ثالثاً : ( وهو بحسب الحقيقة تعبير آخر عن الإشكال الثاني ) إنّ قاعدة لا ضرر قاعدة إمتنانيّة ، والأحكام الإمتنانيّة آبية عن التخصيص وإن لم يلزم تخصيص الأكثر ، مع أنّ من المعلوم ورود تخصيصات عليها.
وجوابه ظهر ممّا مرّ آنفاً من أنّه لا يلزم تخصيص أصلاً من ناحية هذه الأحكام التي يتراءى كونها ضرريّة ، والشاهد عليه كون أمثالها متداولة بين العقلاء ، حيث إنّهم لا يجعلون قانوناً على أنفسهم.
__________________
(١) راجع تهذيب الاصول : ج ٢ ، ص ٤٧٥ ، طبع جماعة المدرّسين.