رابعاً : ما ظهر ممّا حقّقناه سابقاً من أنّ الفاعل في الضرر هم المكلّفون لا الله سبحانه مع أنّ ظاهر كلام الشيخ بل صريحه كون الفاعل هو الله ، وقد عرفت أنّه لا يساعد عليه ظواهر الأدلّة أو صريحها.
أمّا القول الثالث : ( وهو ما نقله الشيخ الأعظم رحمهالله من بعض الفحول ، وهو أن يكون المراد من نفي الضرر نفي صفة عدم التدارك ، وهو في نظر الشيخ رحمهالله أردأ الوجوه ) فغاية ما يمكن أن يقال في توجيهه « أنّ الضرر إذا كان متداركاً لم يصدق عليه عنوان الضرر بنظر العرف وإن صحّ اطلاقه عليه بالدقّة العقليّة ، فنفي الشارع للضرر على الاطلاق مع ما نرى من وجوده في الخارج دليل على أنّ جميع أنواع الضرر الحاصلة من ناحية المكلّفين متداركة بحكم الشرع ، وأنّ فاعلها مأمور بتداركها وجبرانها ، وإلاّ لم يصحّ نفيها ، فهذا القيد أعني « عدم التدارك » إنّما يستفاد من الخارج من باب دلالة الاقتضاء ».
وقد اجيب عن هذا بوجوه عديدة ، وعمدة الجواب عنه أن يقال : إذا كان الفاعل للضرر هو الله سبحانه صار المعنى عبارة عن أنّ الله تبارك وتعالى لا يجعل الأحكام الضرريّة ، ولا حاجة إلى تقدير « غير متدارك » كما لا يخفى ، وإن كان الفاعل هو المكلّفين فأيضاً لا نحتاج إلى ذلك التقدير لأنّ المعنى حينئذٍ عدم ترخيص إضرار أحد بغيره في مقام التكليف والوضع ، غاية ما يلزم أن تكون « لا » نافية وكناية عن النهي ، ولا إشكال في أنّه إذا دار الأمر بين هذه الكناية وتقدير « غير متدارك » الكناية هى الاولى ، لعدم انس الأذهان بمثل هذا التقدير ، وبالعكس لها بالنسبة إلى الكناية المذكورة انس شديد ، لما مرّت من الشواهد والتراكيب.
أمّا القول الرابع : ( وهو مختار شيخ الشريعة من كون مفاد الحديث حكماً فرعيّاً خاصّاً من دون أن يكون ناظراً إلى سائر الأدلّة وحاكماً عليها ) فقد ظهر جوابه ممّا عرفت في بيان المختار من حكومة القاعدة على جميع الأدلّة الواردة في حقوق الناس والمعاملات بالمعنى الأعمّ.
أما القول الخامس : ( وهو ما نقلناه إجمالاً من تهذيب الاصول ) فهو مبنى على أربع مقدّمات نلخّصها في اثنتين :
إحديهما : أنّ للنبي صلىاللهعليهوآله مقامات ثلاثة :
الأوّل : مقام النبوّة والرسالة فهو صلىاللهعليهوآله بما أنّه نبي ورسول ينبىء عن الله ، ويبلّغ أحكامه