خطيرها وحقيرها حتّى أرش الخدش.
الثاني : مقام الحكومة والسلطنة ، فهو صلىاللهعليهوآله سلطان الامّة والحاكم بينهم وسائس العباد في البلاد ، وهو من هذه الجهة يرسل سرية ويأمر بالجهاد ويعدّ القوّة ، إلى غير ذلك من شؤون الحكومة الإلهيّة في الخلق.
والفرق بين المنصبين واضح فإنّه صلىاللهعليهوآله بما أنّه نبي ورسول ليس له أمر ولا نهي ، ولا بعث ولا زجر ، بل كلّ ما يأمر به أو ينهى عنه فإرشاد إلى أمره تعالى ونهيه ، وأمّا إذا أمر بما أنّه سائس الامّة فيجب إطاعته ويحرم مخالفته ، فمن خالف فإنّما خالف أمر الرسول ونهيه ، ومن أطاع فقد أطاعه ، أي يكون المقام ذا دستور وأمر وزجر مستقلاً.
الثالث : مقام القضاء وفصل الخصومة عند التنازع.
ثانيتهما : أنّه كلّما ورد في الروايات من الرسول ووصيّه من أنّه « أمر بكذا » فهو ظاهر في الأمر المولوي السلطاني ، وكلّما ورد من « أنّه قضى » فهو ظاهر في القضاء وفصل الخصومة ، وأمّا قوله « حكم » فهو مردّد بينهما ، وأمّا ما ورد في الآثار من التعبير بأنّه صلىاللهعليهوآله « قال » فدلالته على أنّه كان أمراً سلطانيّاً يحتاج إلى قرينة دالّة عليه ، وأمّا إذا كان بصيغ الأمر فهى ظاهرة في حدّ نفسها في الأمر المولوي ، فالعدول عنه يحتاج إلى دليل آخر.
ثمّ قال : إن قاعدة لا ضرر من الأحكام السلطانيّة ، ويدلّ عليه :
أوّلاً : ما ورد من طرق العامّة من التعبير بـ « وقضى أن لا ضرر ولا ضرار » في مساق سائر الأقضية ، ولا ينافي هذا ما مرّ أنّ لفظة « قضى » ظاهرة في الحكم القضائي ، فإنّ ذلك صحيح إذا لم تقم قرينة على كونه ليس بصدد فصل الخصومة والقضاء.
وثانياً : قضيّة سمرة ، لأنّ التأمّل في صدرها وذيلها والإمعان في هدف الأنصاري حيث رفع الشكوة إلى النبي صلىاللهعليهوآله ليدفع عنه الظلم ، والتدبّر في أنّه لم يكن لواحد منهما شبهة حكميّة ولا موضوعيّة ، يورث الاطمئنان ويشرف الفقيه بالقطع على أنّ الحكم حكم سلطاني.
إن قلت : إنّ الرسول صلىاللهعليهوآله قد استند في أمره بالقطع والرمي بها على وجهه بقوله : « فإنّه لا ضرر ولا ضرار » وظاهر الاستناد والفاء المفيد للتعليل أنّه حكم إلهي وقاعدة كلّية من الله تعالى ، وهو صلىاللهعليهوآله إتّكل على الحكم الإلهي ، فأمر الأنصاري بقلعها ورميها ، فعلّل عمل نفسه بالحكم الصادر من الله ، ولا يناسب أن يفسّر عمل نفسه ويعلّله بحكم نفسه.