قلنا : إنّ الأنصاري لمّا رفع شكواه إلى النبي الأعظم واستدعى النبي سمرة وأمره بالاستئذان عند الدخول وقد كان رجلاً مضارّاً تخلّف عن حكمه ، مسّت الحاجة إلى تأديبه ، فأصدر حكمه السياسي لحفظ النظام وأمر بقلعها ورميها إلى وجهه ، ثمّ علّل هذا الحكم التأديبي بالحكم السياسي الكلّي وأنّه لا ضرر ولا ضرار ، وعلى هذا تتوافق الجمل ويتّضح التناسب بين المعلول ( قلع الشجرة ) وتعليلها ( لا ضرر ولا ضرار ) بلا أدنى تكلّف ، فإنّ كلاً من المعلول وعلّته حكم سياسي تأديبي.
ثمّ ذكر قدسسره الشريف في بعض كلماته أنّ نتيجة هذا القول كون القاعدة حكماً صدر من ناحية الحاكم الشرعي لتحديد قاعدة السلطنة فحسب ، فلا حكومة لها على سائر الأحكام الوضعيّة والتكليفية. ( انتهى ) (١).
أقول : يمكن المناقشة في كلامه رحمهالله من عدّة جهات :
الجهة الاولى : في الفرق بين الأحكام الإلهيّة والأحكام السلطانيّة ، والحقّ فيه أنّ الأحكام السلطانيّة ليست في عرض الأحكام الإلهيّة بل إنّها في طولها لأنّ الأحكام الإلهيّة أحكام كلّية وردت على موضوعات كلّية ، ولكن الأحكام السلطانيّة أحكام جزئيّة إجرائيّة لأنّ إجراء الأحكام الكلّية الإلهيّة وتحقيقها في الخارج لا يكون إلاّبتأسيس الحكومة ، فينفتح حينئذٍ باب الولاية ، ويكون الوالي فيه شخص النبي صلىاللهعليهوآله وغيره من الأوصياء ، وفي زمن الغيبة الفقيه الجامع للشرائط ، ووظيفة الوالي فيه تشخيص موارد الأحكام الكلّية الإلهيّة وتطبيقها على مصاديقها الجزئيّة الشخصية ، فالأحكام السلطانيّة أحكام تصدر من جانبه في سبيل إجراء تلك الأحكام الإلهيّة الكلّية ، وذلك كالأحكام التي تصدر منه لنصب الولاة وامراء الجيوش وعمّال الصدقات وتهيئة العُدّة والعِدّة لدفع الأعداء وغيرها ممّا تختلف بحسب الأزمنة والظروف ، فالوالي يتوصّل بهذه الأحكام إلى إجراء أحكام الله في أمر الجهاد والزكوات والقضاء وغيرها من الأحكام الكلّية الإلهيّة.
ومن الواضح أنّ إجراء حكم الجهاد مثلاً وتطبيقه في الخارج لا يتمّ بمجرّد الوعظ والإرشاد ، بل يحتاج إلى ولاية وحكومة ، وأمر ونهي ، ونصب أمير وتهيئة عِدّة وعُدّة ، وبرامج
__________________
(١) راجع تهذيب الاصول : ج ٢ ، ص ٤٨١ ـ ٤٩٢ ، طبع جماعة المدرّسين.