أنّ المؤاخذة والعقوبة لا تحسن إلاّبعد تبليغ الأحكام والتكاليف إلى العباد ، وهذا لا ربط له بما نحن فيه من الشكّ في التكليف بعد التبليغ وعروض اختفاء التكليف ببعض الموجبات التي لا دخل للشارع فيها.
والجواب عنه : هو الجواب من أنّ المراد من الإيتاء هو إتمام الحجّة ، فتدلّ الآية على نفي العذاب ما لم تتمّ الحجّة بعد التبليغ ، وهو المطلوب.
وثالثاً : بأنّ المقصود في الآية وكذلك في الرواية التكليف بما لا يطاق ، فإنّ معرفة صفاته تعالى مثلاً خارجة عن طاقة البشر ، ولا يمكن حصولها له إلاّمن ناحية البيان ، فالآية تنفي التكليف بما لا يطاق لا التكليف بالاحتياط في مثل التدخين الذي يكون ممكناً للإنسان ، وليس خارجاً عن طاقته ، والشاهد على ذلك أنّ الإمام عليهالسلام ذكر هذه الآية في جنب قوله تعالى : ( لَايُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا ) التي لا إشكال في أنّ المقصود منها التكليف بما لا يطاق ، فالآية حينئذٍ أجنبية عمّا نحن فيه.
ورابعاً : بأنّ سند الرواية ضعيف من ناحية عبدالأعلى المجهول في كتب الرجال ، اللهمّ إلاّ أن يقال : بأنّه وقع بعد حمّاد وهو من أصحاب الإجماع ، ولكن المختار عندنا عدم تماميّة هذه القاعدة.
وبهذا يظهر أنّ الآية غير صالحة للاستدلال بها في المقام.
ومنها : قوله تعالى : ( وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) (١) ، ودلالتها على المدّعى تتمّ إذا كانت « يضلّ » بمعنى « يعذّب » لأنّ مفادها حينئذٍ عدم العقاب بلا بيان ، فالمهمّ في المقام تعيين معنى « يضلّ » بعد عدم تصوّر معناها اللغوي المعروف بالنسبة إلى الباري تعالى ، فنقول : يحتمل فيها أربعة وجوه :
١ ـ أن يكون بمعنى التعذيب كما مرّ آنفاً.
٢ ـ أن يكون بمعنى الحكم بالضلال.
٣ ـ أن يكون بمعنى الخذلان أي ترك العون والإمداد وسلب التوفيق.
٤ ـ أن يكون بمعناه الحقيقي مع حقيقة الإسناد بالنسبة إليه تعالى من باب إنّه مسبّب
__________________
(١) سورة التوبة : الآية ١١٥.