وأمره سمرة بالاستئذان دخل سمرة باب اللجاج والتمرّد ، وعلى القاضي إجراء حكمه ، ولذلك أمر الأنصاري بعد ذلك بقلع النخلة حسماً لمادّة النزاع.
والحاصل : أنّ الرواية تنادي بأعلى صوتها بأنّها ناظرة إلى مسألة القضاء.
نعم لقائل أن يقول : إنّ صدرها وإن كان وارد في مقام القضاء ، لكن ذيلها يدلّ على أنّ قلع النخلة من باب ولاية الحاكم والحكم السلطاني.
ولكنّا نقول : إنّ تعليله صلىاللهعليهوآله بحكم كلّي إلهي في هذه الواقعة الخاصّة من أوضح الدليل على أنّ قاعدة لا ضرر حكم كلّي إلهي ، وإن كان تطبيقها على ذاك المورد من باب ولاية الحاكم الإسلامي ، فأمره بقلع الشجرة أمر سلطاني صدر منه صلىاللهعليهوآله لأجل إجراء قاعدة « لا ضرر ولا ضرار » الذي هو حكم كلّي إلهي.
الجهة الثالثة : أنّ لازم كونه حكماً سلطانياً إجرائياً إختصاصه بزمن النبي صلىاللهعليهوآله وأنّه يجوز لغيره من الحكّام تغييره ، ولا أظنّ التزامه قدسسره الشريف به.
الجهة الرابعة : سلّمنا جميع ذلك ، لكن لماذا تختصّ حكومة القاعدة بقاعدة السلطنة ، ولا حكومة لها على سائر الأحكام الضررية ، مع أنّها بحسب الظاهر كبرى كلّية ، والمورد ليس مخصّصاً.
الجهة الخامسة : من العجب أنّه قدسسره إكتفى في المسألة بقضية سمرة وما تقتضيه ولم يشر إلى سائر المدارك الموجودة فيها ، فإنّه قد مرّ في المقام الأوّل أنّ دليل القاعدة ليس منحصراً بقضيّة سمرة ، بل هناك روايات عديدة من طرق الفريقين ظاهرة في خلاف هذا القول ، وآيات مختلفة وردت في موارد خاصّة ضررية ، ولا إشكال في أنّ ما يستفاد منها حكم إلهي أوحاه الله تعالى إلى نبيّه صلىاللهعليهوآله ، والنبي إنّما هو مبيّنه ومبلّغه.
إلى هنا تمّ الكلام في تفسير القاعدة والأقوال الواردة فيها ، وظهر أنّ المختار فيها :
١ ـ أنّ « لا » نافية ، ولكنّها كناية عن النهي.
٢ ـ أنّ الفاعل في الضرر هم المكلّفون لا الله سبحانه.
٣ ـ أنّها تعمّ الأحكام التكليفيّة والوضعيّة.
٤ ـ أنّها تختصّ بحقوق الناس ، ولا تشمل حقوق الله تعالى مثل العبادات الضرريّة وغيرها.