قلنا : سلّمنا كون قاعدة لا ضرر من قبيل فرائض النبي صلىاللهعليهوآله التي فوّض أمر تشريعها إليه ، ولكنّها ليست من الأحكام السلطانيّة أيضاً ، لأنّ المفروض حينئذٍ أنّ النبي صلىاللهعليهوآله وضعها بما أنّه مفوّض إليه التشريع لا بما أنّه حاكم ومجرٍ للأحكام الإلهيّة الكلّية.
هذا مضافاً إلى أنّه قد قرّر في محلّه في مبحث ولاية الفقيه أنّ مقام التشريع الذي فوّض إلى الرسول صلىاللهعليهوآله كان على نحو جزئي ومختصّاً بموارد خاصّة معدودة ، كما تشهد عليه شواهد عديدة ، منها قوله صلىاللهعليهوآله في كثير من الموارد : « إنّي أنتظر الوحي » حيث إنّ انتظار الوحي وتعيين التكليف من ناحية الوحي ينافي التفويض الكلّي إليه كما لا يخفى.
وحينئذٍ لابدّ لتعيين فرائض النبي صلىاللهعليهوآله وتمييزها عن غيرها إلى قرينة قطعيّة ( نظير ما يقال في باب النسخ بأنّه بما أنّ موارد النسخ قليلة لابدّ لتعيينها وتشخيصها من قرينة خاصّة ) وإلاّ يكون الظاهر من أوامره ونواهيه أنّه في مقام الحكاية عن أوامر الله تعالى ونواهيه.
مضافاً إلى اختصاص هذا المقام بالنبي صلىاللهعليهوآله كما يدلّ عليه قوله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ). وقوله صلىاللهعليهوآله في رواية حجّة الوداع : « ما من شيء يقرّبكم إلى الله إلاّوقد أمرتكم به وما من شيء يبعّدكم عن الله إلاّوقد نهيتكم عنه » وغيرها ممّا ورد في الباب الذي عقده في الوافي في أنّه ليس شيء ممّا يحتاج إليه الناس إلاّوقد جاء في كتاب أو سنّة (١) ، التي تدلّ على عدم وجود فراغ قانوني كما مرّ آنفاً ، حتّى أنّ الأئمّة المعصومين صلوات الله عليهم إنّما كانوا وارثين للنبي صلىاللهعليهوآله وحاملين لعلومه كما وردت روايات متواترة من ناحيتهم تدلّ على أنّ كلّ ما يقولونه ينقلونه عن الرسول صلىاللهعليهوآله ، ولذا لم يصدر تشريع حكم منهم عليهمالسلام في طيلة حياتهم (٢).
الجهة الثانية : في ما هو الظاهر من قضية سمرة ...
فنقول : الظاهر أنّ حكمه صلىاللهعليهوآله في قضيّة سمرة كان بعنوان فصل الخصومة ورفع التنازع في الحقوق والأموال ، وكان النزاع بينه وبين الأنصاري ناشئاً من الجهل بالحكم فإنّه يرى أنّ وجوب الاستئذان من الأنصاري تضييق في دائرة سلطنته ، ولذا قال : أستأذن في طريقي إلى عذقي؟ بينما الأنصاري يرى أنّ له أن يلزم سمرة على الاستئذان ، فشكاه إلى النبي صلىاللهعليهوآله لفصل الخصومة والنزاع بما أنّه صلىاللهعليهوآله قاضٍ منصوب من قبل الله تعالى ، نعم بعد قضاء الرسول صلىاللهعليهوآله
__________________
(١) الوافي : ج ١ ، ص ٢٦٥ ، الطبع الجديد.
(٢) راجع جامع أحاديث الشيعة فإنّه عقد باباً أورد فيه أخباراً متواترة في هذا المعنى : ( ج ١ ، الباب ٤ ، ص ١٢٦ ).