ولا يخفى أنّ هذا القبيل من الروايات إنّما يفيدنا في المقام إذا كانت الحلّية أو الطهارة فيها ظاهرة أوّلاً ، ومن باب قاعدة الاستصحاب ثانياً.
وكيف كان ، فالأقوال في المسألة خمسة :
١ ـ قول المحقّق الخراساني رحمهالله في حاشية الرسائل بأنّها ناظرة إلى الواقعيّة والظاهريّة بكلتا قسميها.
٢ ـ القول بأنّها ناظرة إلى الواقعيّة بصدرها ، واستصحاب الطهارة أو الحلّية بذيلها ، ولا نظر لها إلى قاعدة الحلّية أو قاعدة الطهارة ، وهذا هو ظاهر المحقّق الخراساني رحمهالله في الكفاية.
٣ ـ أن يكون صدر الرواية ناظراً إلى قاعدة الحلّية أو قاعدة الطهارة ، وذيلها إلى قاعدة الاستصحاب ، وهذا هو قول صاحب الفصول ، ولعلّه أوّل من استدلّ بها على الاستصحاب في المقام.
٤ ـ أن تكون ناظرة إلى قاعدة الطهارة أو الحلّية فحسب ، وهذا منسوب إلى المشهور.
٥ ـ قول الشيخ الأعظم رحمهالله في الرسائل وهو التفصيل بين حديث « الماء كلّه طاهر حتّى يعلم أنّه قذر » فيكون ناظراً إلى الحكم الواقعي والاستصحاب ، وبين حديثين آخرين ( حديث كلّ شيء نظيف (١) ... وحديث كلّ شيء لك حلال ) فيكونان ناظرين إلى خصوص القاعدة.
واستدلّ القائلون بعدم دلالة هذا الحديث على الطهارة الواقعيّة :
أوّلاً بأنّ الطهارة والنجاسة أمران طبيعيان عرفيّان لا مجعولان شرعيّان.
أضف إلى ذلك أنّه لو كانتا مجعولين من ناحية الشرع المقدّس للزم إمكان خلوّ الواقع من كليهما ، وهو خلاف إرتكاز المتشرّعة.
ويرد عليه : أنّ الطهارة والنجاسة أمران مجعولان من ناحية الشارع قطعاً وأنّ النسبة بين الطهارة والنجاسة الشرعيتين والطهارة والنجاسة العرفيتين عموم من وجه ، فربّ شيء نظيف بحسب الإرتكاز العرفي ولكنّه نجس وقذر شرعاً ، كالكافر النظيف وعرق الجنب عن
__________________
(١) لا يخفى أنّ تعبير الشيخ الأعظم رحمهالله في الرسائل عن هذا الحديث : « كلّ شيء طاهر حتّى يعلم ورود النجاسة عليه » بينما الوارد في الوسائل إنّما هو « كلّ شيء نظيف حتّى تعلم أنّه قذر » ( وسائل الشيعة : أبواب النجاسات ، الباب ٣٧ ، ح ٤ ).