ولكن يمكن الجواب عنه : بأنّ كلّ هذه مبنى على مبنى فاسد في حقيقة الاستعمال ، وهو أنّ حقيقة الاستعمال فناء اللفظ في المعنى كما هو مختار المحقّق الخراساني ومن تبعه ، وأمّا إذا قلنا بأنّ الاستعمال نوع من التعهّد والالتزام ، أي التعهّد بأنّ هذا اللفظ علامة لهذا المعنى فلا إشكال في البين ولا استحالة.
إن قلت : فكيف يكون المتكلّم غافلاً عن اللفظ وملتفتاً إلى خصوص المعنى حين التلفّظ؟ وكيف يسري القبح أو الحسن من المعنى إلى اللفظ؟
قلنا : كلّ هذا لأجل كثرة الاستعمال ، ولا ربط بالفناء ونحوها ، وإن أبيت فانظر إلى من كان حديث العهد بلغة جديدة ، فإنّه ينظر إلى اللفظ أيضاً حين الاستعمال ، ولا يحسّ قبحاً أو حسناً بالنسبة إلى الألفاظ التي لها معانٍ قبيحة أو معانٍ حسنة ، فإذا ضممنا هذا إلى ما اخترناه في محلّه من جواز استعمال لفظ واحد في أكثر من معنى بلا إشكال ، وإنّ كثيراً من البدائع والظرائف الكلامية مبنية عليه ( كما جاء في قول الشاعر :
المرتمى في الدجى والمبتلى بعمى |
|
والمبتغي ديناً والمشتكي ظمأً |
يأتون سدّته من كلّ ناحية |
|
ويستفيدون من نعمائه عيناً |
والنتيجة إندفاع إشكال الجمع بين اللحاظين ، كما مرّ تفصيله في محلّه.
إلى هنا ثبت إمكان إرادة المعاني الثلاثة معاً ( الحكم الواقعي والقاعدة والاستصحاب ) من الحديث وأنّه لا استحالة فيه.
لكن الكلام بعدُ فيما هو الظاهر منه ، فنقول : الصحيح أنّ الظاهر منه بصدره وذيله وبغايته ومغيّاه إنّما هو قاعدة الطهارة والحلّية ، كما نسب إلى المشهور ، فلا يستفاد منها الحكم الواقعي ولا الاستصحاب ، وذلك لقرائن مختلفة :
أحدها : أنّ الغاية ( وهى كلمة « حتّى تعلم » ) سواء كانت قيداً للموضوع ( أي كلّ شيء مقيّد بعدم العلم بنجاسته طاهر ) أو كان قيداً للحكم ( أي كلّ شيء طاهر بالطهارة المقيّدة بعدم العلم بالنجاسة ) أو كان قيداً للنسبة كما هو الموافق مع الوجدان العرفي والإرتكاز العقلائي ( أي أنّ الطهارة ثابتة ما لم يعلم بالنجاسة ) لا تناسب كون المراد الحكم الواقعي ، لأنّ الأحكام الواقعيّة مغيّاة بقيود واقعيّة وعناوين حقيقية ، وليست تابعة للعلم والجهل ، فإنّ ماء الكرّ مثلاً طاهر واقعاً إلى أن يتغيّر لونه أو طعمه أو ريحه بالنجاسة واقعاً ، لا إلى أن يعلم بتغيّره.
الثانية : أنّ العرف إذا اعطيت بيده الغاية ( حتّى تعلم ) يؤخذ ضدّها ( وهو الشكّ ) في