موضوع المغيّى فيحكم بأنّ المغيّى في ما نحن فيه عبارة عن « كلّ شيء مشكوك » ، أي « كلّ شيء مشكوك طاهر حتّى تعلم أنّه قذر » ، أو « كلّ شيء طاهر ما دمت في شكّ حتّى تعلم أنّه قذر » ، ولا يخفى أنّ المأخوذ في موضوعه الشكّ حكم ظاهري لا واقعي.
الثالثة : ظاهر التعبير بـ « حتّى تعلم أنّه قذر » أنّه قد سبقه جعل حكم واقعي بالطهارة أو القذارة ثمّ شكّ فيه ، فلا يكون المقام إلاّمقام الحكم الظاهري.
هذه قرائن يندفع بها احتمال إرادة الحكم الواقعي ، ويثبت أنّ الظاهر هو جعل حكم ظاهري ، وحينئذ يبقى الكلام في أنّ الظاهر من الحديث هل هو قاعدة الطهارة أو الحلّية ، أو الظاهر منه استصحاب أحدهما؟ فنقول : الصحيح هو الأوّل ، لأنّ معنى الاستصحاب يحتاج إلى ما يدلّ على استمرار الحالة السابقة ، وهو غير ظاهر في الحديث.
إن قلت : يدلّ عليه كلمة « حتّى » ، لأنّها تدلّ على الاستمرار.
قلنا : هذا الاستمرار إنّما هو من جهة بقاء الحكم ببقاء موضوعه الثابت في جميع الموارد ، لا الاستمرار الاستصحابي ، فمعنى الحديث أنّ حكم الطهارة ثابت لمشكوك الطهارة ما دام مشكوكاً ، وأين هذا من الاستصحاب؟
إن قلت : يمكن أن يكون صدر الحديث ناظراً إلى الحكم الواقعي وذيله إلى الاستصحاب ( كما هو ظاهر المحقّق الخراساني رحمهالله في الكفاية ) فيكون المعنى في الواقع : « الأشياء بعناوينها الواقعية طاهرة ، ويستمرّ هذا الحكم عند الشكّ حتّى تعلم أنّه نجس » ، فيصير « حتّى تعلم » غاية للجملة المقدّرة ( أي لجملة « يستمرّ هذا الحكم » ) لا للحكم الواقعي حتّى يستشكل بعدم إمكان وقوع العلم غاية له.
قلنا : التقدير خلاف الظاهر ومحتاج إلى قرينة ، وهى مفقودة في المقام.
إن قلت : أي مانع في أنّ يكون صدر الحديث ناظراً إلى القاعدة وذيله إلى الاستصحاب مع عدم ابتلائه بإشكال التقدير؟
قلنا : هذا غير ممكن فإنّه لولا التقدير لكان الذيل غاية لما ثبت في الصدر ، فكما أنّ الذيل ناظر إلى الحكم الظاهري ( أي الطهارة للمشكوك ) لابدّ أن يكون صدره كذلك.
فتحصّل من جميع ما ذكرنا أنّ ما نسب إليه المشهور هو الحقّ ، وهو أنّ الحديث دالّ على خصوص القاعدة بصدره وذيله.