ولم يقم دليل على انتفاء ذلك الحكم هل يحكم ببقائه على ما كان ، أم يفتقر الحكم في الوقت الثاني إلى دلالة؟ كما يفتقر نفيه إلى الدلالة ، حكى عن المفيد رحمهالله أنّه يحكم ببقائه ما لم تقم دلالة على نفيه ، وهو المختار ، وقال المرتضى رحمهالله : لا يحكم. ثمّ مثل بالمتيمّم الواجد للماء في أثناء الصّلاة ، ثمّ احتجّ للحجّية بوجوه : منها : أنّ المقتضي للحكم الأوّل موجود ، ثمّ ذكر أدلّة المانعين وأجاب عنها ، ثمّ قال : والذي نختاره أن ننظر في دليل ذلك الحكم فإن كان يقتضيه مطلقاً وجب الحكم باستمرار الحكم كعقد النكاح فإنّه يوجب حلّ الوطي مطلقاً. فإذا وقع الخلاف في الألفاظ التي يقع بها الطلاق ، فالمستدلّ على أنّ الطلاق لا يقع بها لو قال : حلّ الوطي ثابت قبل النطق بهذه الألفاظ فكذا بعده ، كان صحيحاً ، لأنّ المقتضي للتحليل ـ وهو العقد ـ اقتضاه مطلقاً ، ولا يعلم أنّ الألفاظ المذكورة رافعة لذلك الاقتضاء ، فيثبت الحكم عملاً بالمقتضي (١).
فظهر أنّ كلام الشيخ رحمهالله واضح لا حاجة في توضيحه إلى بيان احتمالات عديدة ، نعم الظاهر أنّ كلام المحقّق رحمهالله لا ربط له بالاستصحاب وبالشكّ في المقتضي أو المانع المبحوث عنه في مبحث الاستصحاب ، بل الظاهر أنّ مراده من المقتضي إنّما هو العمومات التي يرجع إليها عند الشكّ في المخصّص ، والشاهد عليه ما صرّح به في ذيل كلامه حيث قال : « وقوع العقد إقتضى حلّ الوطي لا مقيّداً بوقت » فإنّه ناظر إلى عموم « اوفوا بالعقود » و « أحلّ الله النكاح » الذي لا نعلم تخصيصه بالألفاظ المشكوكة في أبواب الطلاق ، فالتمسّك بالعموم عند الشكّ في المخصّص شيء ، والتمسّك بالاستصحاب شيء آخر ، وهذا نظير الاستدلال لأصالة اللزوم في أبواب المعاملات بـ « اوفوا بالعقود » و « أحلّ الله البيع » و « تجارة عن تراضٍ » وغيرها ، كما تمسّك الشيخ الأعظم نفسه بها في ابتداء مباحث البيع والخيارات. ثمّ أضاف إليها لاستصحاب بعنوان دليل آخر.
وأمّا الأمر الثاني : فاستدلّ الشيخ رحمهالله لهذا التفصيل بما حاصله : أنّ للنقض معنىً حقيقيّاً وهو عبارة عن رفع الهيئة الإتّصاليّة كما في نقض الحبل ، ومعنى مجازياً أقرب وهو رفع الأمر الثابت ، أي المستحكم الذي فيه إقتضاء الثبوت والاستمرار ، ومعنىً مجازياً أبعد وهو مطلق رفع اليد عن الشيء وترك العمل به ولو لعدم المقتضي له ، فإذا تعذّر المعنى الحقيقي كما في المقام
__________________
(١) فرائد الاصول : ص ٥٦١ ، طبع جماعة المدرّسين.