من مقايسة محلّ كلّ واحد بمحلّ الآخر ، ولذا يتغيّر الحال مع بقاء الذات ، وقسم ثالث ينتزع من الامور الاعتباريّة كشرطيّة الاستطاعة لوجوب الحجّ التي ينتزعها الذهن من وجوب الحجّ عند الاستطاعة في قوله تعالى : ( للهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ).
إذا عرفت هذا فاعلم أنّه استدلّ الشيخ الأعظم رحمهالله للقول الأوّل بالحوالة على الوجدان وبرهان اللغويّة ، فقال : « إذا قال المولى لعبده : « أكرم زيداً إن جاءك » فهل يجد المولى من نفسه أنّه أنشأ إنشائين وجعل أمرين : أحدهما إكرام زيد عند مجيئه ، والآخر كون مجيئه سبباً لوجوب إكرامه أو أنّ الثاني مفهوم منتزع من الأوّل ، لا يحتاج إلى جعل مغاير لجعله ، ولا إلى بيان مخالف لبيانه؟ فإنّ الوجدان شاهد على أنّ السببية والمانعيّة في المثالين اعتباران منتزعان ، كالمسببيّة والمشروطيّة والممنوعيّة ».
ثمّ أتى ببيان ثالث وحاصله : أنّه قد يكون تعلّق الجعل الاستقلالي بالامور الوضعيّة محالاً ، لأنّ جعل ما ليس بسبب سبباً محال ، فإنّ دلوك الشمس إمّا أن يكون ذا مصلحة تدعو المولى إلى إيجاب الصّلاة عنده ، وحينئذٍ لا حاجة إلى وضعه ، أو لا يكون له مصلحة ، وحينئذٍ لا يمكن جعله ذا مصلحة بالجعل التشريعي هذا بالنسبة إلى السببيّة والشرطيّة والمانعيّة.
ثمّ قال : وهكذا الصحّة والفساد ، لأنّهما أمران تكوينيان ، فإنّ الصحّة بمعنى المطابقة مع المأمور به ، والفساد بمعنى عدم المطابقة ، ولا إشكال في أنّهما أمران تكوينيان ، هذا في العبادات ، أمّا في المعاملات فهما أمران منتزعان من جواز التصرّف وعدم جواز التصرّف.
ثمّ قال : وأمّا الزوجيّة والملكيّة والطهارة فلا تخلو من أحد الوجهين ، فإمّا أنّها امور واقعية كشف عنها الشارع أو امور انتزاعيّة تنتزع من عدّة من الأحكام التكليفية. ( انتهى ملخّص كلامه ).
أقول : الحقّ في المسألة التفصيل بين الأحكام الوضعيّة وتفريق بعضها عن بعض ، أي البحث عن كلّ نوع منها على حدّه ، فنقول :
١ ـ من الأحكام الوضعيّة : السببيّة والشرطيّة والمانعيّة ، والصحيح أنّها على قسمين : السببيّة أو الشرطيّة أو المانعيّة للتكليف كسببية الدلوك لوجوب الصّلاة ، وشرطيّة