ملاقي بعض أطراف العلم الإجمالي ، وليس كذلك.
الجواب الثالث : ما أفاده بعض الأعلام وحاصله : أنّ هذا يكون في الواقع التحقيق العبائي لا الشبهة العبائية ، أي نحكم بنجاسة الملاقي لطرفي العباءة تعبّداً من باب جريان استصحاب كلّي النجاسة في العباءة ، فإنّ من آثار هذا الاستصحاب هو الحكم بنجاسة الملاقي ، ولا منافاة بين الحكم بطهارة الملاقي في سائر المقامات والحكم بنجاسته في مثل المقام ، للأصل الحاكم على الأصل الجاري في الملاقي ، فإنّ التفكيك في الاصول كثير جدّاً ، ولا تناقض في عالم التعبّد والاعتبار (١).
ويرد عليه أنّه لا يجوز مثل هذا التعبّد لجهتين.
فأوّلاً : أنّ نجاسة الملاقي من شؤون نجاسة الملاقى ، وهو في المقام ليس نجساً لأنّ المفروض أنّ الطرف الثاني طاهر ، وملاقي الطاهر لا يتنجّس ، كما أنّ المفروض أنّه لا يحكم بنجاسة الملاقي للطرف الأوّل.
وثانياً : سلّمنا أنّه لا تناقض في عالم التعبّد عقلاً ولكن الوجدان يحكم بأنّ مثل هذا التعبّد أمر عجيب جدّاً يوجب إنصراف أدلّة الاستصحاب عنه بلا ريب ، وإن شئت قلت : مثل هذا التعبّد لا يمكن إثباته بمجرّد الاطلاق ، بل يحتاج إلى دليل صريح الدلالة قوي السند جدّاً.
الجواب الرابع : ما هو الصحيح ، وهو أنّ مثل هذا الاستصحاب ليس من قبيل استصحاب القسم الثاني من الكلّي ، لأنّ استصحاب القسم الثاني عبارة عن استصحاب فرد واحد مجهول الصفات ، أي الفرد المبهم المتيقّن وجوده في الخارج ، بينما الفرد في ما نحن فيه مردّد بين فردين خارجيين ، فهو نظير ما إذا علمنا بنجاسة أحد الإنائين ثمّ علمنا بإنعدام أحدهما ولا نعلم هل المعدوم هو الإناء النجس أو الإناء الطاهر؟ فلا إشكال في عدم جواز استصحاب نجاسة كلّي أحدهما في مثل ذلك ، لتبدّل الموضوع الناشىء من انعدام أحدهما في الخارج.
فإنّ المفروض في ما نحن فيه أنّ أحد الطرفين صار طاهراً قطعاً ، فتبدّل عنوان « هما » بـ « هو » فليس المتيقّن نجاسة كلّي أحدهما بل المتيقّن نجاسة الفرد المردّد بين ما صار طاهراً يقيناً وبين ما هو مشكوك نجاسة ، فهو من قبيل استصحاب الفرد المردّد الذي لا إشكال في عدم
__________________
(١) راجع مصباح الاصول : ج ٣ ، ص ١١٣ ، طبع مطبعة النجف.