اتّحد الداعي فلا يجري ، كما إذا كان زيد مريداً للذهاب من النجف إلى بغداد من أوّل الأمر ، وما إذا تعدّدت الدواعي فيجري ، كما إذا كان زيد مريداً للذهاب من النجف إلى كربلاء وشككنا في حصول داعٍ جديد له للذهاب من كربلاء إلى بغداد ، وكما إذا لم نعلم أنّه هل كان مريداً من أوّل الأمر للذهاب من النجف إلى بغداد ، أو كان مريداً من أوّل الأمر للذهاب إلى كربلاء ثمّ تجدّد الداعي له إلى بغداد ، وهذا ما ذهب إليه المحقّق النائيني رحمهالله فيما حكى عنه في تقريرات بعض الأكابر من تلامذته (١) ، ففيه وجوه بل أقوال ثلاثة ، الحقّ والصحيح منها هو القول الأوّل.
أمّا القول الثاني فيرد عليه : أنّ الوحدة في القسم الرابع كالقراءة والتكلّم حاصلة حتّى عند العرف الدقّي ، وليست الوحدة فيه من المسامحات العرفيّة.
وأمّا القول الثالث : فيرد عليه أيضاً : أنّ مجرّد تعدّد الداعي لا يكون موجباً للتعدّد في الفعل ، لأنّ الحافظ للوحدة ليس هو الداعي بل هو الإتّصال.
هذا كلّه في المقام الثاني.
أمّا المقام الثالث : ـ أي الامور الثابتة المقيّدة بالزمان في لسان الدليل كالإمساك المقيّد بالنهار أو الجلوس المقيّد بيوم الجمعة وكالصلاة المقيّدة بإتيانها في داخل الوقت ـ فهل يجري استصحاب بقاء وجوب الصّلاة مثلاً بعد انقضاء الزمان المقيّد به فعل الصّلاة أو لا يجري؟ فيه وجهان بل قولان :
ذهب كثير من الأعاظم إلى عدم جريان الاستصحاب في هذا المقام ، وذلك لتبدّل الموضوع ، لأنّ المفروض أنّ الزمان كان مقوّماً له عرفاً ، نعم إذا لم يكن الزمان مقوّماً للموضوع عند العرف كما في مثل خيار الغبن وخيار العيب كان الاستصحاب فيه جارياً ، فإذا شككنا في أنّ خيار الغبن مثلاً كان فوريّاً فإنقضى زمانه أو لم يكن فورياً فلم ينقض زمانه كان استصحاب بقاء الخيار جارياً بلا إشكال ( بناءً على جريانه في الشبهات الحكميّة ) لكنّه ليس حينئذٍ من الامور الثابتة المقيّدة بالزمان لأنّ الزمان ليس قيداً فيه.
__________________
(١) راجع مصباح الاصول : ج ٣ ، ص ١٢٨ ، طبع مطبعة النجف.