الثالث : ما أفاده المحقّق الحائري في الدرر ، وحاصله : عدم شمول إطلاقات الأخبار لما نحن فيه ، لوجود القدر المتيقّن ، بل لإنصرافها إلى الآثار الشرعيّة بلا واسطة لأنّ الإبقاء العملي للشيء ينصرف إلى إتيان ما يقتضيه ذلك الشيء بلا واسطة » (١).
أقول : أمّا كلام المحقّق الخراساني فيرد عليه ما قرّر في محلّه من منع ما تبنّاه في مقدّمات الحكمة وإنّ منها عدم وجود القدر المتيقّن فإنّ لازمه سقوط أغلب المطلقات عن الاطلاق لأنّ القدر المتيقّن فيها موجود ، ولا أقلّ من موارد سؤال الرواة ، مع أنّ سيرة الفقهاء وديدنهم على أخذ الاطلاق فيها وإنّ المورد ليس بمخصّص.
وأمّا ما أفاده الشيخ الأعظم فيرد عليه أيضاً ما أورده المحقّق الخراساني عليه من أنّ أثر الأثر أثر ، فلا مانع عقلاً من تنزيل المستصحب بلحاظ مطلق ما له من الأثر ولو بالواسطة (٢).
والصحيح في المقام ما ذهب إليه المحقّق الحائري من أنّ الإطلاقات منصرفة إلى الآثار الشرعيّة بلا واسطة ، ولتوضيحه لا بأس بإتيان أمثلة يكون الوجدان أقوى شاهد على إنصراف الأدلّة عنها :
منها : ما جاء في بعض الكلمات من أنّه إذا كان في الحوض كرّ من الماء ، ثمّ وجدناه فارغاً من الماء وقد سقط فيه ثوب في البارحة وكان نجساً وكان ينغسل لو كان الماء باقياً. فإنّه لا إشكال في أنّ استصحاب بقاء الماء حين سقوط الثوب لا يثبت الإنغسال الذي يكون من الآثار العقليّة لبقاء الماء ، حتّى يترتّب عليه أثره الشرعي وهو الطهارة.
__________________
(١) راجع درر الفوائد : ج ٢ ص ٥٥٤ ، طبع جماعة المدرّسين.
(٢) نعم أنّه رجع عن ذلك في الهامش ( هامش ص ٤١٥ من الكفاية طبع مؤسسة آل البيت ) بقوله : « ولكن الوجه عدم صحّة التنزيل بهذا اللحاظ ، ضرورة أنّه ما يكون شرعاً لشيء من الأثر لا دخل له بما يستلزم عقلاً أو عادة ، وحديث أثر الأثر أثر وإن كان صادقاً إلاّ أنّه إذا لم يكن الترتيب بين الشيء وأثره بينه وبين مؤثّره مختلفاً ، وذلك ضرورة أنّه لا يكاد يعدّ الأثر الشرعي لشيء أثراً شرعياً لما يستلزمه عقلاً أو عادة أصلاً ، لا بالنظر الدقيق العقلي ولا النظر المسامحي العرفي ، إلاّفيما عدّ أثر الواسطة أثراً لذيها لخفائها أو شدّة وضوح الملازمة بينهما بحيث عدّا شيئاً واحداً ذا وجهين وأثر أحدهما أثر الإثنين » ( انتهى ).
أقول : ما ذكره صحيح بالنسبة إلى الدقّة العقليّة ، ولكن بالنظر العرفي غير مقبول ، فهل هناك مانع من أن يقول شارع المقدّس : رتّب الآثار الشرعيّة للمستصحب ولو بالف واسطة ، إنّما الإشكال في عدم شمول الإطلاقات لمثلها ، وإلاّ لا ينبغي الشكّ في إمكان جعل آثار الواسطة أثراً لذي الواسطة عرفاً فتأمّل.