بأن كان جريان الاستصحاب تابعاً لبقاء الموضوع المأخوذ في لسانه ، أو المرجع هو الدليل الثاني الدالّ على الإبقاء في ظرف الشكّ أي قوله « لا تنقض اليقين بالشكّ » حتّى يكون جريان الاستصحاب تابعاً لصدق النقض والمضيّ في نظر العرف أو نظر العقل؟
نعم الترديد بين الثلاث إنّما هو في الشبهات الحكميّة ، وأمّا في الشبهات الموضوعيّة فالترديد ثنائي بين العقل والعرف لأنّ الموضوع الجزئي لا يؤخذ من لسان الدليل (١).
وقد ظهر ممّا ذكرنا ثمرة هذه المسألة حيث عرفنا أنّه إذا كان المعيار نظر العرف فكثيراً ما يكون الموضوع في مفاد كان الناقصة باقياً إلى زمان الشكّ فيجري الاستصحاب ، وأمّا إذا كان الميزان نظر العقل فلا يجري الاستصحاب فيه أصلاً ، لأنّ حصول الشكّ فرع حصول تغيير في الموضوع ، ومعه لا يكون الموضوع باقياً في الآن اللاحق عقلاً ، وإن كان الميزان هو الجمود على ظاهر الدليل الدالّ على ثبوت الحكم سابقاً فلابدّ من الرجوع إليه.
إذا عرفت هذا فنقول : لا ريب أنّ الميزان في بقاء الموضوع إنّما هو نظر العرف ، أي صدق النقض وعدم النقض عرفاً ، كما أنّه كذلك في جميع الموضوعات الواردة في لسان الأدلّة ، وذلك لأنّ المفاهيم الموجودة في أدلّة الأحكام نازلة على المتفاهم العرفي.
وتوضيحه : أنّ القيود المأخوذة في الموضوع في لسان الأدلّة على قسمين :
قيود تكون في نظر العرف من المقوّمات كميعان الماء ، فلا يجري استصحاب النجاسة إذا صار الماء بخاراً ، وهذا إذا صار الكلب الواقع في المملحة ملحاً ، أو صار الخشب النجس رماداً ودخاناً ، وذلك لعدم صدق النقص على رفع اليد عن الحكم السابق.
وقيود تكون من الحالات كالتغيّر في الماء المتغيّر بالنجس ، فإنّ الموضوع للنجاسة مطلق الماء فيجري استصحاب النجاسة لصدق نقض اليقين بالشكّ على رفع اليد عن حكم النجاسة ، ولقد أجاد من نظّر هذا بما ثبت في الفقه في باب الخيارات بأنّه لو قال البائع : « بعتك هذا الفرس العربي » فبان كونه حماراً يكون البيع باطلاً ، لكون الصورة النوعية مقوّمة المبيع ، ولكن لو بان كونه فرساً غير عربي فالبيع صحيح مع خيار تخلّف الوصف ، لعدم كون الوصف مقوّماً للمبيع بنظر العرف ، وهكذا وصف الصحّة المبنيّ عليها العقد فإنّ تخلّفها لا يوجب الخيار.
__________________
(١) وقد أشار بذلك في مصباح الاصول : ج ٣ ، ص ٢٣٥ ، طبع مطبعة النجف.