عمومه ، فمجموع الرواية المذكورة ( كلّ شيء مطلق ... ) ودليل الاستصحاب بمنزلة أن يقول : « كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه النهي ، وكلّ نهي ورد في شيء فلابدّ من تعميمه لجميع أزمنة احتماله » فتكون الرخصة في الشيء وإطلاقه ( المستفاد من قوله كلّ شيء مطلق ) مغيّى بورود النهي المحكوم عليه بالدوام وعموم الأزمان ( بدليل الاستصحاب ) فكان مفاد الاستصحاب نفي ما يقتضيه الأصل الآخر ( البراءة الشرعيّة ) في مورد الشكّ لولا النهي ، وهذا معنى المحكومة » ( انتهى ).
وحاصل كلامه أنّ دليل البراءة الشرعيّة يقول : كلّ شيء مطلق ومرخّص حتّى يرد فيه نهي ، ودليل الاستصحاب يقول : إنّ النهي السابق نهي في الزمان اللاحق أيضاً ، فيرتفع به موضوع أصالة البراءة وهو عدم وجود النهي فيكون حاكماً عليه.
ولكن يرد عليه : أنّ المستفاد من دليل الاستصحاب إنّما هو عدم ترتّب آثار الشكّ في مقام العمل ولزوم ترتّب آثار اليقين السابق كذلك ، لا أنّ النهي السابق موجود في الآن اللاحق ، لأنّه ليس حاكياً عن بقاء النهي بحسب الواقع ، وإلاّ يلزم كونه من الأمارات.
وبعبارة اخرى : إمّا أن تلتزموا بكون الاستصحاب من الأمارات كما التزم به بعض الأعلام (١) ونتيجته أنّه مقدّم على البراءة الشرعيّة بالورود أو الحكومة ، أو تجعلونه من الاصول العمليّة فلا وجه حينئذٍ لكونه مقدّماً من جهة الورود أو الحكومة ، بل إنّه يعارض البراءة الشرعيّة ولابدّ حينئذٍ من ملاحظة الترجيح بين أدلّتهما. فنقول : أنّ وجه التقديم كون أدلّة الاستصحاب بعد ملاحظة التأكيدات الكثيرة والعبارات المترادفة المتعدّدة فيها أقوى وأظهر دلالة من أدلّة البراءة كما لا يخفى ، فالمرجّح إنّما هو الأظهريّة والأقوائيّة في الدلالة ، ويؤيّده ما قد يقال : من أنّ ألسنة بعض رواياته كقوله عليهالسلام : « فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشكّ » في الصحيحة الثانية لزرارة وقوله عليهالسلام : « فإنّ الشكّ لا ينقض اليقين » في رواية محمّد بن مسلم آبٍ عن التخصيص لا سيّما بعد كون التعليل بأمر إرتكازي عقلي.
إلى هنا تمّ الكلام عن التنبيه الثامن عشر.
__________________
(١) في مصباح الاصول.