الحكومة ، وأين هذا من الحكومة الظاهريّة التي لا يعتبر فيها إلاّكون الحاكم رافعاً لموضوع الآخر في عالم التشريع؟ فإنّ الدليل الواحد إذا كان له افراد كثيرة بعضها في طول الآخر ومسبّب عنه فلا محالة يكون شمول هذا الدليل للسبب رافعاً لما هو في طوله تشريعاً. وهذه الحكومة هى المدعاة في المقام دون الحكومة الواقعيّة المعتبر فيها نظر أحد الدليلين بمدلوله اللفظي إلى الدليل الآخر » (١).
أقول : الإنصاف أنّه ليس هناك إلاّقسم واحد من الحكومة ، وهو أن يكون أحد الدليلين ناظراً إلى الآخر ومفسّراً له إمّا بمدلوله المطابقي أو التضمّني أو الالتزامي ، ولا إشكال في أنّ هذا المعنى قد يحصل في دليل واحد إذ انحلّ إلى أحكام متعدّدة ، فإذا كان الماء المشكوك طهارته داخلاً في عموم لا تنقض كان معناه ترتيب آثار الماء الطاهر عليه ، فإذا سئل من آثاره يمكن أن يقال : إنّ من آثاره رفع النجاسة عن الثوب المغسول به ، وهذا معنى النظر إلتزاماً.
والحاصل : أنّه لا يعتبر في حكومة دليل على دليل آخر أن يكون الدليل الحاكم ناظراً إلى الدليل المحكوم بمدلوله المطابقي ، بل يكفي فيها النظر بمدلوله الالتزامي ، ولا إشكال في أنّ هذا المقدار من النظر لازم انحلال دليل واحد إلى أحكام متعدّدة ، حيث إنّ المقصود من النظر ( كما اعترف المحقّق النائيني رحمهالله نفسه ) أن يكون أحدهما رافعاً لموضوع الآخر تعبّداً ، وهذا حاصل بعد حصول الانحلال كما لا يخفى.
أمّا القسم الثاني : وهو ما إذا كان أحدهما في عرض الآخر كاستصحاب طهارة الإنائين مع العلم الإجمالي بنجاسة أحدهما ، فله أيضاً صورتان :
الاولى : ما إذا كانا في أطراف علم إجمالي بتكليف فعلي ، فيلزم منهما المخالفة القطعيّة.
الثانية : ما إذا لم يكونا في أطراف علم إجمالي بتكليف فعلي ، بحيث إذا جرى الاستصحاب في كليهما لم يلزم مخالفة قطعيّة.
أمّا الصورة الثانية : فالأقوال فيها ثلاثة :
__________________
(١) أجود التقريرات : ج ٢ ، ص ٤٩٦ ، طبعة مؤسسة مطبوعات ديني.