واستدلّ المشهور على مقالتهم بأنّ النسخ قليل والتخصيص كثير بمثابة حتّى يقال : « ما من عام إلاّوقد خصّ » فيوجب شيوع التخصيص وندرة النسخ أن يكون ظهور الخاصّ في الدوام أقوى من ظهور العام في العموم.
واستدلّ المحقّق الخراساني رحمهالله في مقابل المشهور بأنّ هذا البحث من صغريات البحث السابق ، أي دوران الأمر بين التقييد والتخصيص ، فإنّ النسخ هنا يرجع إلى تقييد الاطلاق الزماني للخاصّ ، والتقييد مقدّم على التخصيص ، لأنّ تقديم التخصيص أي تقديم الخاصّ متوقّف على ظهوره في الدوام والاستمرار الزماني ، وهو يستفاد من الاطلاق ومقدّمات الحكمة ، فيكون معلّقاً على عدم البيان ، والعموم الإفرادي للعام تنجيزي مستند إلى الوضع فيكون بياناً له.
وأجاب عن الوجه المعروف في ترجيح التخصيص على النسخ من غلبة الأوّل وندرة الثاني ، بأنّ هذا ممّا لا يوجب إقوائيّة ظهور الكلام في الاستمرار الأزماني من ظهور العام في العموم الإفرادي ، إذ ليست غلبة التخصيص مرتكزة في أذهان أهل المحاورة بمثابة تعدّ من القرائن المكتنفة بالكلام وتوجب اقوائيّة الظهور.
أقول : التحقيق في المسألة يستدعي تحليل ماهية النسخ أوّلاً ، فنقول : الصحيح أنّ النسخ ابطال للإنشاء كالفسخ.
توضيح ذلك : أنّ للحكم مرحلتين : مرحلة الإنشاء ومرحلة الفعليّة ، وبعبارة اخرى : مرحلة الإرادة الاستعماليّة ومرحلة الإرادة الجدّية ، والتقييد بالمنفصل إنّما هو تصرّف في الإرادة الجدّية وهكذا التخصيص ، وأمّا الإرادة الإستعماليّة فهى باقية بقوّتها بخلاف النسخ ، فإنّه إبطال للإنشاء من حين وروده نظير الفسخ فإنّ الفاسخ في خيار الفسخ يبطل إنشاء البيع حين الفسخ ، وهذا ممّا ندركه بوجداننا العرفي وإرتكازنا العقلائي في القوانين الجديدة العقلائيّة ، فكما أنّ فيها تخصيصات وتقييدات يدرجونها تحت عنوان التبصرة ، وهى تمسّ بإرادتهم الجدّية في القوانين السابقة ، كذلك لهم نواسخ تتعلّق بإرادتهم الإستعمالية بالنسبة إلى القوانين الماضية ، وبالجملة أنّ النسخ هو الفسخ يتعلّق بالإنشاء ( إلاّ أنّ النسخ في القانون والفسخ في المعاملات والعقود ) فلا يكون من قبيل التقييد الذي يتعلّق بالإرادة الجدّية.
هذا مضافاً إلى أنّ الإنشاء في القوانين كالإيجاد ، ويكون بذاته باقياً في عالم الاعتبار إلى