٢ ـ أن يكون الخاصّ مخصّصاً ( لا ناسخاً ) ولكنّه كاشف عن صدوره في عصر النبي صلىاللهعليهوآله ووقت الحاجة به ، فخفي علينا بأسباب مختلفة فظهر بيد الإمام عليهالسلام فلا يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة ، ويشهد على إمكان هذا ما ثبت في التاريخ من منع كتابة الحديث في عصر بعض الخلفاء زعماً منهم أنّه يمسّ كرامة كتاب الله والإكتفاء به ، كما تشهد عليه روايات تدلّ على أنّ كلّ ما قال به الأئمّة الهادون من أهل البيت عليهمالسلام فإنّها من النبي صلىاللهعليهوآله ، وهى كثيرة ، وقد جمعها في مقدّمة جامع أحاديث الشيعة فراجع.
٣ ـ أن نلتزم بجواز تأخير البيان عن وقت الحاجة إذا كان لمصلحة أهمّ ، وهى مصلحة تدريجية بيان الأحكام ، فكان تكليف السابقين هو العمل بالعموم ظاهراً مع إرادة الخصوص واقعاً.
ولقد أجاد المحقّق الحائري رحمهالله في درره حيث قال ( في مقام الجواب عن أنّ تأخير البيان عن وقت الحاجة قبيح عقلاً ) : أنّ « تأخير البيان عن وقت العمل ليس علّة تامّة للقبح كالظلم حتّى لا يمكن تخلّفه عنه ، وإذا لم يكن كذلك فقبحه فعلاً منوط بعدم جهة محسّنة تقتضي ذلك » (١).
أقول : يرد على الوجه الأوّل أنّ كثيراً من هذه التخصيصات من أخبار الآحاد ، مع أنّ النسخ يحتاج إلى دليل قطعي كما قرّر في محلّه.
وعلى الوجه الثاني بأنّه من البعيد جدّاً صدور هذه المخصّصات الكثيرة غاية الكثرة من جانب الرسول صلىاللهعليهوآله ولم يصل إلينا شيء منها ، وما دلّ على أنّ رواياتهم عليهمالسلام كلّها عن النبي صلىاللهعليهوآله يمكن أن يكون ناظراً إلى العلم الذي ورثوه عنه صلىاللهعليهوآله لا أنّ جميع ذلك صدر عنه صلىاللهعليهوآله بمرأى من الناس ومسمع منهم.
فيتعيّن الوجه الثالث وهو تأخيرها عن وقت الحاجة لمصلحة أهمّ.
نعم ، هيهنا وجه رابع بالنسبة إلى كثير من هذه التخصيصات والتقييدات ، يحتاج للدقّة ، وهو أنّ كثيراً منها في الواقع تطبيقات لكبريات الكتاب والسنّة على مصاديقها ( نظير التفريعات والمسائل العمليّة الواردة في الرسائل العمليّة التي لم يرد كثير منها في آية ولا رواية ، ولكنّها من قبيل تطبيق الكبرى على الصغرى من جانب المجتهد ) أو بيانات لتوضيح
__________________
(١) درر الاصول : ص ٦٨١ ، طبعة جماعة المدرّسين.