فبأيّهما آخذ؟ فقال : يازرارة ... فقلت أنّهما معاً موافقان للإحتياط أو مخالفان له فكيف أصنع؟ فقال عليهالسلام : إذن فتخيّر أحدهما وتأخذ به وتدع الآخر » (١).
وهذه الرواية صريحة الدلالة على المقصود.
فقد ظهر إلى هنا أنّ التامّ دلالة من هذه الثمانية إنّما هو الأوّل والثاني ، والثامن فيبلغ ما دلّ على التخيير إلى حدّ التظافر وإن لم يبلغ إلى حدّ التواتر كما ادّعاه الشيخ الأعظم ، مضافاً إلى تأييدها بمرسلة الكليني وغيرها خصوصاً بعد ملاحظة ما صرّح به في ديباجة الكافي حيث قال : « ... ولا نجد شيئاً أحوط ولا أوسع من ردّ علم ذلك كلّه إلى العالم عليهالسلام وقبول ما وسّع من الأمر فيه بقوله عليهالسلام بأيّما أخذتم من باب التسليم وسعكم » (٢).
ومضافاً إلى ما إدّعاه شيخنا الأعظم رحمهالله في رسائله من « أنّ عليه المشهور وجمهور المجتهدين حيث قال : فهل يحكم بالتخيير أو العمل بما طابق منهما الاحتياط أو بالاحتياط وجوه ، المشهور وهو الذي عليه جمهور المجتهدين الأوّل للأخبار المستفيضة بل المتواتر » ( انتهى ) وكفى بذلك جبراً لسندها حتّى ولو كانت رواية واحدة.
بل هذا هو ما نشاهده عملاً في الفقه وعليه سيرة الفقهاء ، فمن العجب جدّاً ما قال به بعض الأعلام في مصباح الاصول : « إنّ التخيير بين الخبرين المتعارضين عند فقد المرجّح لأحدهما ممّا لا دليل عليه ، بل عمل الأصحاب في الفقه على خلافه فإنّا لم نجد مورداً أفتى فيه بالتخيير واحد منهم » (٣).
هذه كلّه في الطائفة الاولى من الأخبار.
أمّا الطائفة الثانية : ( وهى ما تدلّ على لزوم الأخذ بأحوط الخبرين ) فهى نفس مرفوعة زرارة المذكورة آنفاً حيث ورد فيها : « قلت : ربّما كانا معاً موافقين لهم أو مخالفين ، فكيف أصنع؟ فقال : إذن فخذ بما فيه الحائطة لدينك واترك ما خالف الاحتياط ».
ولكن غاية ما يستفاد من هذه الرواية كون موافقة أحد الخبرين للاحتياط من المرجّحات لا أنّ مآل الأمر إلى الأخذ بالأحوط بل مآله هو التخيير كما وقع التصريح به في
__________________
(١) عوالي اللئالي : ج ٤ ، ص ١٣٣ ؛ وفي المستدرك : ج ١٧ ، ص ٣٠٣.
(٢) اصول الكافي : ج ١ ، ص ٩.
(٣) مصباح الاصول : ج ٣ ص ٤٢٦ ، طبعة مطبعة النجف.