مثلاً وجوب صلاة الجمعة ( عند تعارض الأخبار ) لابدّ من العمل بها ما دام عمره ، ومعنى التخيير الاستمراري أنّ له في المثال المذكور اختيار الجمعة في كلّ جمعة أراد ، واختيار صلاة الظهر كذلك طول عمره.
والأقوال في المسألة ثلاثة :
١ ـ ما حكي عن جماعة من المحقّقين من أنّ التخيير استمراري.
٢ ـ ما يظهر من بعض كلمات شيخنا الأعظم رحمهالله من أنّه بدوي.
٣ ـ بناء المسألة على المسألة السابقة ، فإن قلنا بأنّ التخيير في المسألة الاصوليّة يكون التخيير هنا بدوياً ، وإن قلنا بأنّ التخيير في المسألة الفقهيّة يكون التخيير هنا استمرارياً ، وهذا ما ذهب إليه المحقّق النائيني رحمهالله في فوائد الاصول.
واستدلّ للقول الأوّل بوجهين :
أحدهما : إطلاقات أخبار التخيير ، فإنّ التعبير بـ « فموسّع عليك » أو « إذن فتخيّر » ظاهر في السعة الاستمراري والتخيير الدائمي.
ثانيهما : استصحاب التخيير الثابت في بدو الأمر على فرض الشكّ.
واستدلّ للقول الثاني أيضاً بوجهين ( وهما في الواقع جواب عن ما استدلّ به للقول الأوّل ) :
أحدهما : أنّ الموضوع في أخبار التخيير هو التحيّر ، وهو يرتفع بعد إختيار أحد الخبرين فلا يكون بعده مشمولاً لها ، كما أنّه لا يجوز حينئذٍ استصحاب التخيير لتبدّل الموضوع.
ثانيهما : لزوم المخالفة القطعيّة التدريجية العمليّة من استمرار التخيير فإنّ المفروض كون التخيير ظاهرياً فيكون أحدهما مخالفاً للواقع قطعاً.
أقول : يمكن المناقشة في الوجه الأوّل بأنّ الموضوع في أخبار التخيير ليس هو عنوان المتحيّر بل الموضوع وجود خبرين متعارضين ، ولا إشكال في أنّ التعارض دائمي.
وأمّا الوجه الثاني فهو تامّ في محلّه ، وقد ذكرنا في محلّه أنّ المخالفة القطعيّة العمليّة للعلم الإجمالي حرام سواء كانت دفعيّة أو تدريجيّة ، ولازم هذا الوجه كون التخيير بدوياً كما تشهد به مرفوعة زرارة لأنّها تأمر بالأخذ بأحد الخبرين وطرد الآخر حيث تقول « فتخيّر أحدهما فتأخذ به وتدع الآخر » ولا إشكال في أنّ ظاهر طرد الآخر طرده مطلقاً ، كما أنّ ظاهر الأخذ بأحدهما أخذه دائماً.