الوجه الثاني : الترجيح بالأصدقية في المقبولة والأوثقية في المرفوعة فإنّ اعتبار هاتين الصفتين ليس إلاّلترجيح الأقرب إلى مطابقة الواقع ، أي مناط الترجيح بهما هو الأقربيّة إلى الصدور ، ففي كلّ مورد تحقّق هذا المناط يكون موجباً للترجيح سواء كان من المرجّحات المنصوصة أو لم يكن.
واجيب عنه أوّلاً ، بأنّ هذا ليس إلاّ الظنّ بأنّ المناط هى الأقربيّة إلى الصدور ( وتنقيح المناط ما لم يكن قطعيّاً لا اعتبار به ) لأنّه من الممكن أن يكون الترجيح بهما لخصوصية فيهما لا لصرف كونهما أقرب إلى الصدور ، وبعبارة اخرى : أنّ مجرّد جعل شيء ( فيه جهة الإراءة والكشف ) حجّة كخبر الصادق أو الثقة أو جعله مرجّحاً كالأصدقيّة والأوثقيّة ، لا دلالة فيه على أنّ الملاك فيه بتمامه جهة إراءته على نحو نقطع بذلك ونتيقّن به حتّى يكون من باب تنقيح المناط القطعي ويجوز التعدّي عن مورد النصّ ، وذلك لاحتمال دخل خصوصيّة ذلك الشيء في حجّيته أو مرجّحيته لا جهة إراأته فقط.
وثانياً : بأنّه سلّمنا إحراز أنّ المناط هو الأقربيّة إلى الصدور ، ولكنّه لا ريب في أنّ للأقربيّة مراتب مختلفة ، ولعلّ جعل الأصدقيّة والأوثقيّة مرجّحاً للخبر كان لأجل أنّ لهما درجة خاصّة من الأقربيّة التي لا يمكن إحرازها في غيرهما.
وثالثاً : أنّ الترجيح بهاتين الصفتين لا يوجد إلاّفي المقبولة والمرفوعة ، وقد مرّ أنّ المرفوعة لا سند لها ، وأمّا المقبولة فهذا المرجّح فيها ناظر إلى حال القضات لا الرواة لأنّها تقول : « الحكم ما حكم به ... » وهذا مختصّ بباب الحكومة والقضاء ، ولا ربط له بباب تعارض الخبرين.
الوجه الثالث : التعليل الوارد في الأخذ بما يخالف العامّة بأنّ « الرشد في خلافهم » حيث إنّه يدلّ على وجوب ترجيح كلّ ما كان معه أمارة الحقّ والرشد ، وترك ما فيه مظنّة خلاف الحقّ والصواب.
ويمكن أن يجاب عنه : بأنّه لم ترد هذه الفقرة بصورة التعليل في روايات الباب ، فإنّ الوارد في المقبولة هو قوله « ما خالف العامّة ففيه الرشاد » ومن الواضح أنّ هذا ليس من قبيل