مصلحة صالحة لأن يبنى عليها الاستنباط » (١).
بل قد يرى من بعضهم التعدّي عنه والقول به حتّى في مقابل النصّ ، ولعلّ أوّل من أسّسه إنّما هو الخليفة الثاني في قصّة المتعتين المعروفة ، ثمّ إنحصر عند متأخّريهم في خصوص السياسيات والمعاملات ، فذهب جماعة منهم إلى جواز الاجتهاد فيهما حتّى فيما فيه نصّ.
فذهب الطوفي من علماء الحنابلة إلى أنّ المصالح تتقدّم في السياسيات الدنيوية والمعاملات على ما يعارضها من النصوص عند تعذّر الجمع بينهما (٢) ، ( ولكن لم يوافقه على هذا المعنى كثير منهم ).
نعم خالفهم في هذا النوع من الاجتهاد الشافعي بالنسبة إلى الاستصلاح والاستحسان وقال : « إنّه لا استنباط بالاستصلاح ، ومن استصلح فقد شرّع كمن إستحسن ، والاستصلاح كالاستحسان متابعة للهوى » (٣).
وبعضهم كالظاهريين خالفهم في القياس أيضاً وقالوا بأنّه بدعة » (٤).
وقد مرّ أنّ هذا هو منشأ التصويب عند الإمامية لأنّ عليه يكون كل فقيه قد أعطى حقّ التشريع والتقنين بحيث يكون حكم كلّ واحد منهم حكم الله الواقعي ، ولا يخفى أنّه أشدّ قبحاً وأكثر فساداً من المجالس التقنينيّة في يومنا هذا ، حيث إنّ أمر التشريع فيها إنّما هو بيد جماعة تسمّى بشورى التقنين الذين يمثّلون بلداً واحداً وقطراً عظيماً ، لا كل فرد من علمائهم ومتخصّصيهم.
هذا مضافاً إلى ما يترتّب عليه من التوالي الفاسدة في مختلف أجواء العالم الإسلامي.
ولبعض المعاصرين رحمهالله كلام في هذا المقام نحبّ إيراده مع تلخيص منّا ، وهو أنّ لهذا المذهب آثار سوء في مختلف مجالات الفكر يمكن أن تلخيصها في ثلاث مجالات :
الأوّل : في المجال الفقهي حيث صار منشأ لظهور المذهب الظاهري على يد داود بن علي بن خلف الإصبهاني في أواسط القرن الثالث ، إذ كان يدعو إلى العمل بظاهر الكتاب والسنّة
__________________
(١) الاصول العامّة : ص ٣٨٤.
(٢) المصدر السابق : ص ٣٨٤ ـ ٣٨٥.
(٣) الاصول العامّة : ص ٣٨٥.
(٤) المصدر السابق : ص ٣٢١.