والاقتصار على البيان الشرعي ، ويشجب الرجوع إلى العقل.
الثاني : في المجال العقائدي والكلامي فصار سبباً لظهور الأشعري الذي عطّل العقل وزعم أنّه ساقط بالمرّة عن إصدار الحكم حتّى في المجال العقائدي. فبينما كان المقرّر عادةً بين العلماء : أنّ وجوب المعرفة بالله والشريعة ليس حكماً شرعياً وإنّما هو حكم عقلي ، لأنّ الحكم الشرعي ليس له قوّة دفع وتأثير في حياة الإنسان إلاّبعد أن يعرف الإنسان ربّه وشريعته ، فيجب أن تكون القوّة الدافعة إلى معرفة ذلك من نوع آخر غير نوع الحكم الشرعي ( أي من نوع الحكم العقلي ) ـ بينما كان هذا هو المقرّر عادةً بين المتكلّمين ـ خالف في ذلك الأشعري ، إذ عزل العقل عن صلاحية إصدار أي حكم وأكّد أنّ وجوب المعرفة بالله حكم شرعي كوجوب الصوم والصّلاة.
الثالث : في علم الأخلاق ( وكان وقتئذٍ يعيش في كنف علم الكلام ) فأنكر الأشاعرة قدرة العقل على تمييز الحسن من الأفعال عن قبيحها حتّى في أوضح الأفعال حسناً أو قبحاً ، فالظلم والعدل لا يمكن للعقل أن يميّز بينهما ، إنّما صار الأوّل قبيحاً والثاني حسناً بالبيان الشرعي ولو جاء البيان الشرعي يستحسن الظلم ويستقبح العدل لم يكن للعقل أي حقّ للإعتراض على ذلك.
ولا إشكال في أنّ هذه النتائج الفاسدة الشنيعة مشتملة على خطر كبير والرجوع عن الإسلام إلى الجاهلية الذي قد لا يقلّ عن الخطر الذي كان يستبطنه مصدر تلك النتائج أي مذهب الرأي والاجتهاد لأنّها حاولت القضاء على العقل بشكل مطلق وتجريده عن كثير من صلاحياته وايقاف النحو العقلي في الذهنيّة الإسلاميّة بحجّة التعبّد بنصوص الشارع والحرص على الكتاب والسنّة ، ولهذا كانت تختلف اختلافاً جوهرياً عن موقف مدرسة أهل البيت التي كانت تحارب مذهب القياس والاستحسان وتؤكّد في نفس الوقت أهميّة العقل وضرورة الإعتماد عليه في الحدود المشروعة واعتباره ضمن تلك الحدود بعنوان أداة رئيسية أصلية لإثبات الأحكام الشرعيّة حتّى جاء في نصوص أهل البيت عليهمالسلام : « إنّ لله على الناس حجّتين حجّة ظاهرة وحجّة باطنة فأمّا الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمّة ، وأمّا الباطنة