قلنا : إنّ أدلّة التقليد تشملها ويكون الرجوع فيها من قبيل رجوع الجاهل إلى العالم من باب أنّه ليس لها متخصّص وخبير غير الفقيه ، نعم لو كانت هناك موضوعات يكون لها في العرف خبراء معروفون يجب الرجوع إليهم دون الفقيه.
ومن الأمثلة التي يمكن أن تذكر في هذا المجال عنوان النظر المحرّم إلى الأجنبيّة فإنّه أيضاً من الموضوعات المشكلة من باب أنّ لها مصاديق معقّدة مبهمة ، فهل يصدق على النظر إلى تصوير الأجنبي في المرآة مثلاً أو الماء الصافي أو في تلفزيون عنوان النظر إلى الأجنبية أو لا؟
هذا من ناحية ، ومن ناحية اخرى نعلم أنّ الأحكام تابعة لموضوعاتها متابعة الظلّ لذي الظلّ وقد يتبدّل الموضوع بتبدلّ الزمان أو المكان ، فترى الماء في المفازة والصحاري مالية فيجوز بيعه فيها ، بينما لا يكون له مالية على الشاطىء ، فيبطل بيعه ( هذا من قبيل دخل المكان في الموضوع ) وترى الشيخ رحمهالله يجوّز بيع الثلج في الصيف دون الشتاء لكونه مالاً في الأوّل دون الثاني ( وهذا من قبيل دخل الزمان في الموضوع ).
ومن أمثلتها الواضحة في يومنا هذا الدم الذي كان بيعه وشراؤه حراماً في الأزمنة السابقة باعتبار عدم وجود منفعة محلّلة معتدّ بها له. ولكن الآن لا إشكال في جواز بيعه وشرائه لما له من منافع محلّلة مقصودة ، حيث لا تنحصر منافعه في الأكل المحرّم أو الصبغ الذي يعدّ من المنافع النادرة ، فإنّ الدم في يومنا هذا عنصر حياتي يمكن به إنقاذ نفس إنسان من التهلكة ، ولذا تكون له ماليّة عظيمة محلّلة معتدّ بها لنجاة المصدومين والجرحى وكثير من المرضى ، لا سيّما في العمليات الجراحيّة فلِما لا يجوز بيعه في زماننا والحال هذا؟ وكذا بيع الكُلْية وشرائها لنجاة بعض المرضى الذين فسدت كِليَتهم ، مع أنّها بعد فصلها عن صاحبها تكون بحكم الميتة ، ولا سيّما أنّها من غير المأكول ، فلم يكن بيعها في الأزمنة السابقة جائزاً لعدم منفعة محلّلة لها ، ولكن الآن جاز بيعها في زماننا هذا لتغيّر الموضوع وتبدّله ، ولذا يشترونها بالأثمان الغالية جدّاً ( نعم قد يقال : إنّها وإن جاز بيعها من هذه الناحية أي كونها ذات منفعة محلّلة مقصودة ، ولكن لا يجوز بيعها من باب حرمة بيع الميتة من كلّ شيء وإن كان لها منفعة مقصودة ، للنصوص الخاصّة الواردة فيها ، فالواجب حينئذٍ عدم جواز أخذ الثمن في مقابل نفسها بل في مقابل إجازه التصرّف في بدن صاحب الكِلوة فتأمّل جيّداً ).
ومن أمثلتها في عصرنا ما قد يقال في مسألة تقليل المواليد وأنّها كانت مرجوحة في