هذه الامور الثلاثة يعبّر عن حقيقة التقليد ، فهل هى الالتزام القلبي بفتوى المجتهد سواء أخذ بها أم لم يأخذ ، وسواء عمل بها أم لم يعمل ، أو أنّه الالتزام مع الأخذ بقصد العمل سواء عمل أم لم يعمل ، أو أنّه الالتزام مع الأخذ والعمل؟
وللمحقّق الخراساني رحمهالله تعريف خامس ، وهو : الأخذ بقول الغير بغير دليل ، فأضاف إليه قيد « بغير دليل » ، ولا ريب في أنّ مراده من الدليل إنّما هو الدليل التفصيلي ، وإلاّ يكون للمقلّد دليل في تقليده إجمالاً بلا إشكال.
وفي العروة الوثقى للمحقّق اليزدي ؛ تعريف سادس وهو : الالتزام بالعمل بقول مجتهد معيّن ، فإنّه قال في المسألة ٨ : « التقليد هو الإلتزام بالعمل بقول مجتهد معيّن وإن لم يعمل بعد ، بل ولو لم يأخذ فتواه فإذا أخذ رسالته والتزم بما فيها كفى في تحقّق التقليد ».
وقد وافقه جماعة من المحشّين ، وخالفه جماعة اخرى منهم وقالوا : « التقليد هو الأخذ بفتوى المجتهد للعمل ».
والتعريف السابع ما هو المختار ، وهو : الاستناد إلى رأي المجتهد في مقام العمل. فإنّ الإنصاف أنّ التقليد إنّما هو العمل استناداً إلى قول المجتهد أو أنّه الاستناد في مقام العمل ، والدليل عليه :
أوّلاً : أنّه هو المناسب للمعنى اللغوي حيث إنّه عبارة عن جعل القلادة في العنق ، ولا ريب في أنّ قلادة التقليد تعلّق على عنق المجتهد بعد أن عمل المقلّد بفتاويه استناداً إليها.
ثانياً : ما سيأتي في مسألة جواز التقليد وعدمه ممّا إستند إليه لعدم الجواز من الآيات الناهية عن العمل بغير علم ، حيث إنّ لازمه كون التقليد هو العمل بغير العلم ، ولم يردّ عليه ( لا من جانب المستدلّين بها لعدم جواز التقلّد ولا من جانب المجيبين عنهم ) بأنّ هذه الآيات لا ربط لها بمسألة التقليد لأنّه ليس من مقولة العمل ، فكأنّ الطرفين توافقا على كونه من قبيل العمل.
وثالثاً : أنّ المقصود من التقليد والأثر الشرعي المترتّب عليه إنّما هو صحّة العمل وهى لا تحصل بدون العمل.
وبعبارة اخرى : كما أنّ الآثار الشرعيّة التي تترتّب على التقليد عبارة عن الآثار في مقام العمل فليكن معناه أيضاً كذلك ، أي لابدّ من إدخال العمل في معناه.