ثمّ إنّ القائلين بأنّ التقليد عبارة عن الإلتزام القلبي أو الأخذ بالفتوى فعمدة الدليل عليه عندهم : أوّلاً : ما جاء في كلمات المحقّق الخراساني رحمهالله وغيره من إشكال الدور ، ببيان : أنّه لابدّ أن يكون العمل عن تقليد ، فيكون التقليد في رتبة سابقة على العمل ، فلو كان التقليد عبارة عن العمل فيكون في رتبة متأخّرة عنه ، فيلزم منه الدور وتقديم ما حقّه التأخير.
وإن شئت قلت : أنّ وقوع العبادة في الخارج هو ممّا يتوقّف على قصد القربة ، وقصد القربة على ثبوت كونها عبادة ، وثبوت ذلك للعامي ممّا يتوقّف على التقليد ، فلو كانت التقليد هو العمل ، أي وقوع العبادة في الخارج ، لتوقّف وقوعها في الخارج على وقوعها في الخارج ، وهو دور واضح.
ثانياً : أنّ التقليد سابق على العمل ، فلو كان التقليد هو نفس العمل لكان العمل الأوّل بلا تقليد.
ثالثاً : أنّ التقليد في اللغة جعل القلادة على عنق المقلِّد ، ولا إشكال في أنّه يتحقّق بالالتزام وإن لم يعمل بعد.
والجواب عن الأوّل : أنّه لم يرد في آية ولا رواية من أنّه لابدّ أن يكون العمل عن تقليد ومسبوقاً بالتقليد وناشئاً عنه كي يجب أن يكون التقليد سابقاً على العمل ، بل الذي يجب على المقلّد إنّما هو العمل بقول المجتهد والأخذ بكلامه ، فلو عمل بقوله فقد صدق أنّه قلّده وإن لم يصدق أنّه عمل عن تقليد.
وبعبارة اخرى : أنّه قد وقع الخلط بين التقليد والحجّة ، فإنّ ما يجب على المقلّد إنّما هو إتيان العمل عن حجّة ، والتقليد عبارة عن العمل عن حجّة ، لأنّا نقول : لابدّ أن يكون المكلّف في أعماله وعباداته إمّا مجتهداً أو محتاطاً أو مقلّداً ، ولا نقول : لابدّ أن يكون عمله عن تقليد ، وحينئذٍ يكون علمه الأوّل أيضاً مع التقليد وينطبق عليه عنوانه ، لأنّه أيضاً يكون عن حجّة ودليل ، وبهذا يظهر الجواب عن الدليل الثاني.
وأمّا الدليل الثالث ففيه : ما مرّ من معنى التقليد في اللغة ، فإنّه ليس عبارة عن جعل القلادة على عنق المقلّد ، بل هو عبارة عن جعل قلادة المسؤولية على عنق المجتهد ولا يحصل ذلك إلاّبعد العمل.
والعمدة في المقام والذي يسهّل الخطب أنّ التكلّم في مفهوم التقليد لا يترتّب عليه ثمرة