في علم الطبّ والمعمار في بناء داره مثلاً ، وهكذا في غيرها ممّا يحتاج إليه في امور معاشه ، بل وفي موضوعات أحكام معاده ، وكثيراً مّا يتّفق أنّ عدّة من طلاّب العلوم مثلاً يتعلّم كلّ واحد منهم علماً خاصّاً ويصير متخصّصاً في ذلك وفي نفس الوقت يقلّد كلّ واحد من أصحابه في علمه الخاصّ به ، فيكون كلّ منهم متخصّصاً في علم واحد ومقلّداً في سائر العلوم.
ولذلك نقول : إنّ ما يدور في الألسنة في يومنا هذا من وجوب التحقيق في المسائل الشرعيّة الفرعيّة على كلّ أحد ولا معنى للتقليد فيها بعد إمكان التحقيق ، كلام شعري أو هتاف سياسي ، بل الأخباري المنكر للتقليد أيضاً إمّا أن ينكره باللسان وقلبه مطمئن بالإيمان ، أو يكون إنكاره من باب الخلط بين الاجتهاد بالمعنى العامّ والاجتهاد بالمعنى الخاصّ كما مرّ بيانه آنفاً.
ثمّ إنّه لا بأس أن نشير هنا إلى أنّ هذا البناء للعقلاء يكون في الواقع ناشئاً من انسداد صغير فإنّهم يلاحظون في الأموال مثلاً أنّهم لو اعتمدوا فيه على العلم فقط وأنكروا حجّية اليد على الملكيّة لأنسدّ باب العلم في هذا المقام وإن كان مفتوحاً في الأبواب والموارد الاخرى ، ولذلك يعتبرون حجّية كثير من الاصول والقواعد كقاعدة اليد وغيرها ، وهذه هى النكتة التي أشار إليها المحقّق الخراساني رحمهالله بقوله : « وإلاّ لأنسدّ باب العلم على العامي ».
الأمر الثاني : الاستدلال بالكتاب العزيز بجملة من الآيات :
منها : آية النفر ، وقد مرّ الكلام فيه تفصيلاً في مبحث حجّية خبر الواحد ، وينبغي هنا أن نشير إلى نكتة منها فقط ، وهى أنّ هذه الآية ناظرة إلى باب الاجتهاد والتقليد لا باب الرواية ، فإنّ التفقّه الوارد فيها بمعنى الاجتهاد والاستنباط عن نظر وبصيرة ، وإلاّ ربّ حامل رواية وفقه إلى من هو أفقه منه ، كما أنّ الإنذار أيضاً من وظائف وشؤون المجتهد لا الراوي ، أي إنّما يقدر على الإنذار من كان بصيراً بالحكم الإلهي ، وعالماً متيقّناً به ، وقادراً على تمييز الواجب عن المستحبّ ، وناظراً في الحلال والحرام ، وقد مرّ أيضاً أنّ كلمة « لعلّ » فيها كناية عن الوجوب ، وإلاّ فمادّة الحذر وماهيته لا تقبل الاستحباب كما لا يخفى.
نعم ، هيهنا إشكالان لو أمكن دفعهما كان الاستدلال بالآية في المقام تامّاً وإلاّ فلا :
أحدهما : أنّ الآية لا اطلاق لها حتّى تشمل صورة العلم وعدمه فلعلّ المقصود من قوله تعالى : ( لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) خصوص ما إذا حصل من الإنذار العلم واليقين بحكم الله فلا يعمّ