فقد وردت هذه الرواية في باب القضاء عند تعارض الأخبار ولا بأس بالالتزام به ولكن البحث في المقام مربوط بباب الفتوى لا القضاء.
أقول : ياليت أنّه صرف نظره في مقام الجواب عن هذه الرواية إلى قوله عليهالسلام « فارجئه حتّى تلقى إمامك » فقط حيث إنّه ناظر إلى الشبهات قبل الفحص وما إذا أمكن لقاء الإمام عليهالسلام وهو ليس داخلاً في محلّ النزاع.
ثانيهما : ما رواه مسعدة بن زياد عن جعفر عن آبائه عليهالسلام أنّ النبي صلىاللهعليهوآله قال : « لا تجامعوا في النكاح على الشبهة وقفوا عند الشبهة ، يقول : إذا بلغك إنّك قد رضعت من لبنها وإنّها لك محرم وما أشبه ذلك فإنّ الوقوف عند الشبهة خير من الإقتحام في الهلكة » (١).
ولا يخفى أنّ موردها هو المفاسد الدنيوية فهى أيضاً خارجة عن محلّ النزاع (٢).
أقول : وهيهنا رواية ثالثة وهى ما مرّ ذكره من رواية داود بن فرقد ، وهى رواية مطلقة لا يمكن الجواب عنها بما ذكره المحقّق الأصفهاني رحمهالله.
الرابع : أنّ أخبار الاحتياط تخصّص بأخبار البراءة لأنّها عامّة في ثلاث جهات من ناحية كون الشبهة موضوعيّة أو حكميّة ، ومن ناحية كونها قبل الفحص أو بعده ، ومن ناحية كونها من أطراف العلم الإجمالي وعدمه ، كما أنّ أدلّة البراءة خاصّة في نفس تلك الجهات.
الخامس : أنّه لو كان الأمر بالاحتياط في هذه الأخبار مولوية فلابدّ من إرتكاب التخصيص فيها بأن يقال : لا خير في الإقتحام في الهلكة بإرتكاب الشبهات إلاّ إذا كانت الشبهة موضوعيّة مطلقاً أو حكميّة وجوبيّة ، مع أنّ سياقها آبٍ عن التخصيص كما لا يخفى ، فلابدّ حينئذٍ من حملها على الإرشاد ، والإرشاد في كلّ مورد يكون بحسبه ، فيكون في بعض الموارد إرشاداً إلى الاستحباب وفي بعض آخر إرشاداً إلى الوجوب.
نعم يبقى في البين روايتان : إحديهما : ما رواه عبدالله بن وضّاح حيث ورد فيها : « أرى لك أن تنتظر حتّى تذهب الحمرة وتأخذ بالحائطة لدينك » (٣) ولكن يمكن الجواب عنها بوجوب حملها على الاستحباب بناءً على القول بكفاية استتار القرص في وقت المغرب كما هو الأقوى
__________________
(١) المصدر السابق : الباب ١٥٧ ، من أبواب مقدّمات النكاح ، ح ٢.
(٢) راجع نهاية الدراية : ج ٢ ، ص ١٩٧ ، من الطبع القديم.
(٣) وسائل الشيعة : الباب ١٢ ، من أبواب صفات القاضي ، ح ٣٧.