الأوّل : أنّ وجوب الاحتياط إمّا أن يكون مقدّمياً ، أي وجب الاحتياط لأجل التحرّز عن العقاب على الحكم الواقعي المجهول ، أو يكون نفسياً لوجود ملاك في نفس الإحتراز عن الشبهة مع الغضّ عن الحكم الواقعي المجهول ، والأوّل مستلزم لترتّب العقاب على التكليف المجهول ، وهو مخالف لقاعدة قبح العقاب بلا بيان ، والثاني يستلزم ترتّب العقاب على مخالفة نفس وجوب الاحتياط لا مخالفة الواقع مع أنّ صريح الأخبار إرادة الهلكة الموجودة على تقدير الحرمة الواقعيّة كما يعترف به الأخباري أيضاً.
وأجاب المحقّق الخراساني رحمهالله عن هذا الوجه بأنّ إيجاب الاحتياط لا نفسي ولا مقدّمي بل يكون طريقيّاً من قبيل الأمر بالطرق والأمارات وبعض الاصول كالاستصحاب ، ومعه لا يحكم العقل بقبح العقاب ، أي وجوب الاحتياط يكون حينئذٍ وارداً على قاعدة قبح العقاب بلا بيان.
أقول : بناءً على ما اخترناه من كون القاعدة عقلائيّة ( لا عقليّة ) يكون الجواب أوضح ، لأنّها حينئذٍ إنّما تكون حجّة فيما إذا لم يردع الشارع عنها ، وأدلّة الاحتياط على فرض دلالتها ردع عنها.
الثاني : أنّ المراد من الهلكة إمّا أن يكون العقوبة الاخرويّة فهى مندفعة بقاعدة قبح العقاب بلا بيان ، أو يكون المراد منها الهلكة الدنيوية فلا يستفاد منها الوجوب.
ويمكن الجواب عن هذا الوجه أيضاً بنفس ما اجيب به عن الوجه السابق ، وهو أنّ المراد منها الهلكة الاخروية ، ولا تجري حينئذٍ قاعدة قبح العقاب بلا بيان لأنّ أدلّة الاحتياط بنفسها بيان على فرض دلالتها.
الثالث : ما ذكره المحقّق الأصفهاني رحمهالله وحاصله : أنّ روايات التوقّف عند الشبهة وردت في موردين خارجين عن موضع استدلال الأخباري :
أحدهما ما ورد في باب المرجّحات عند تعارض الخبرين ، وهو مقبولة عمر بن حنظلة فورد فيها : فقلت جعلت فداك فإن وافقهما الخبران جميعاً؟ قال : « ينظر إلى ما هم إليه أميل حكّامهم وقضاتهم فيترك ويؤخذ بالآخر » ، قلت : فإن وافق حكّامهم الخبرين جميعاً؟ قال : « إذا كان ذلك فارجئه حتّى تلقى إمامك فإنّ الوقوف عند الشبهات خير من الإقتحام في الهلكات » (١).
__________________
(١) وسائل الشيعة : الباب ٩ ، من أبواب صفات القاضي ، ح ١.