التعبيرات الواردة في هذه الآيات ففي قوله تعالى : ( إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ ) (١) حيث جعل الظنّ قريناً لهوى الأنفس ، كما أنّ في قوله تعالى : ( إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ ) (٢) حيث جعل قريناً للخرص والتخمين بلا دليل.
ويشهد على ذلك أيضاً أنّ من ظنونهم ما جاء في قوله تعالى ( قبل الآية الاولى من الآيتين المزبورتين ) ( أَلَكُمْ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ ) فقد نفت هذه المزعمة : أنّ لهم الذكر وللباري تعالى الانثى ، لأنّه وهم غير معقول ولا يعتمد على الحجّة والدليل ، بل الدليل العقلي القطعي على خلافه.
ويؤيّد ذلك كلّه ما ذكرنا آنفاً من أنّ الظنون المعتبرة العقلائيّة تعدّ علماً عند العرف كما يساعد عليه وجداننا العرفي وإرتكازنا العقلائي.
وأمّا عن الطائفة الثانية : فهو واضح جدّاً ، لأنّ التقليد على خمسة أقسام : تقليد الجاهل عن الجاهل ، وتقليد العالم عن الجاهل ، وتقليد العالم عن العالم ، وتقليد الجاهل عن العالم الفاسق ، وتقليد الجاهل عن العالم العادل ، ولا إشكال في أنّ الأربعة الاول ممنوعة مذمومة عقلاً وشرعاً ، والجائز الممدوح منها هو القسم الأخير ، كما لا إشكال في أنّ التقليد في مورد آيات هذه الطائفة إنّما هو تقليد الجاهل عن الجاهل ، كما يشهد عليه قوله تعالى : ( أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَايَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلَا يَهْتَدُونَ ) الوارد في الآية الاولى منها.
وبهذا يظهر الجواب عن الروايات الناهية عن التقليد ، فإنّها أيضاً أمّا وردت بالنسبة إلى تقليد الجاهل عن الجاهل ، أو تقليد الجاهل عن العالم الفاسق ، وكلاهما ممنوعان عند العقل والشرع.
هذا كلّه في المقام الأوّل من البحث في أحكام التقليد.
__________________
(١) سورة النجم : الآية ٢٣.
(٢) سورة الأنعام : الآية ١١٦.