الطائفة الاولى : ما تنهي عن العمل بالظنّ على نحو العموم ، فإنّ من الظنون ما يحصل من قول المجتهد للمقلّد.
والطائفة الثانية : آيات وردت في خصوص باب التقليد وهى كثيرة ( تبلغ إلى عشر آيات ) :
منها : قوله تعالى : ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَايَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلَا يَهْتَدُونَ ) (١) وقوله تعالى : ( بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ ) (٢). وقوله تعالى : ( وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ ) (٣). إلى غير ذلك ممّا يدلّ على هذا المعنى.
والجواب عنهما : أمّا عن الطائفة الاولى فقد اجيب عنها بأنّها عام تخصّص بأدلّة حجّية الظنون المعتبرة.
ولكن قد مرّ سابقاً أنّ لسان هذه الآيات آبية عن التخصيص.
واجيب عنها أيضاً : بأنّها واردة في اصول الدين لأنّها ناظرة إلى تقليدهم في الشرك وعبادة الأوثان ، ومحلّ النزاع في المقام هو الفروع ، والمنع عن العمل بالظنّ خاصّ بالاصول.
ولكن قد مرّ أيضاً أنّ هذا الجواب لا يساعد مع لحن بعضها كقوله تعالى : ( وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً ) فإنّه وإن فرض كون الفؤاد خاصّاً بالاصول ولكنّه لا ريب في أنّ السمع والبصر لا أقلّ من كونهما عامين يشملان الفروع والاصول لو لم يكونا خاصّين بالفروع.
هذا مضافاً إلى أنّ المورد لا يكون مخصّصاً في أي مقام.
والجواب الثالث ( وهو الصحيح ) : أنّ الظنّ الوارد في هذه الطائفة لا يراد منه الاحتمال الراجح في الذهن ، بل هو عبارة عن الحدس والتخمين بلا أساس ودليل ، فلا يعمّ الظنّ المعتبر المعتمد على الحجّة لأنّ ذلك يعدّ من مصاديق العلم عند العقلاء ، والشاهد على ذلك نفس
__________________
(١) سورة البقرة : الآية ١٧٠.
(٢) سورة الزخرف : الآية ٢٢.
(٣) سورة الزخرف : الآية ٢٣.