صاحب الفصول قدسسره : « ذهب شرذمة إلى عدم جواز التقليد » والمشهور أيضاً أنّ الأخباريين منكرون لجواز التقليد.
ويمكن أن يستدلّ لهم أنّ العامي إمّا أن يكون عربياً يفهم الكتاب والسنّة ، ويدرك مفاهيم الألفاظ واللغات ، فلا حاجة له حينئذٍ إلى الرجوع إلى المجتهد ، بل هو بنفسه يلاحظ أدلّة الأحكام ويعمل بها ، وأمّا أن يكون عجمياً فهو وإن لا يدرك معاني الألفاظ واللغات ولكن لا حاجة له إلى التقليد أيضاً لأنّه يكفيه دلالة المجتهد إلى موارد الأدلّة ووضعها بين يديه حتّى يصير قادرا على إستخراج الأحكام واستنباطها منها ، فالمجتهد حينئذٍ يكون من قبيل المترجم فحسب ، لا مرجعاً ومقلّداً.
ولكنّه واضح البطلان ، أمّا في عصرنا هذا فلما نشاهده من سعة دائرة الفقه وأدلّة الأحكام والقواعد ، والبعد الحاصل بيننا وبين عصر الأئمّة المعصومين عليهمالسلام ، الذي يوجب بطبعه غموضاً شديداً في فهم أدلّة الأحكام ومقاصد الإمام عليهالسلام فإنّ تعليمها بجميع المقلّدين وعرضها لهم يستلزم نفر جميعهم إلى الحوزات العلميّة ، وهذا ممّا يلزم منه إختلال النظام والمعاش.
وأمّا بالنسبة إلى أعصار الأئمّة المعصومين عليهمالسلام التي كان تحصيل المسائل فيها خفيف المؤونة ، وإسناد الروايات فيها واضحة ، أو لم يكن حاجة إليها لإمكان الوصول إلى الأئمّة عليهمالسلام مباشرةً وبدون الواسطة ، وبالجملة كان الاجتهاد والاستنباط في ذلك الزمان بسيطاً جدّاً بالنسبة إلى زماننا هذا ، فبالنسبة إلى تلك الأعصار نقول أيضاً : لم يكن تحصيل ملكة الاجتهاد ممكناً لجميع الناس خصوصاً لغير العرب ، سيّما إذا لاحظنا أنّ كثيراً من الناس فاقدون للإستعداد اللازم لفهم المسائل الشرعيّة الدقيقة ، بل وفي مستواها البسيط ، وهذا ممّا ندركه بوجداننا بالإضافة إلى عوام عصرنا فتدبّر.
والحاصل : أنّ فرض إمكان الاجتهاد لجميع آحاد الناس في جميع الأحكام الشرعيّة من دون فرق بين الرجال والنساء ، ومن كان قريب العهد بالبلوغ من البدوي والقروي وغيرهما أمر يشبه بالخيال والرؤيا ، ومن يدّعيه إنّما يدّعيه باللسان ويخالفه عند العمل ، كما هو ظاهر ، كما أنّ الأمر كذلك في سائر العلوم.
هذا ـ وعمدة أدلّتهم لعدم جواز التقليد هى الآيات الناهية بظاهرها عن التقليد ، وهى على طائفتين :