وهما وإن وردا في باب القضاء ولكن ظاهرهما أو صريحهما كون النزاع في الشبهات الحكميّة فلو جاز الرجوع إلى القضاة فيها مع النزاع جاز الرجوع إليهم فيها بدونه أيضاً فتأمّل.
ومنها ما رواه إسحاق بن يعقوب عن الإمام الحجّة عليهالسلام : « ... وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا فإنّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله ... » (١).
ومنها : عدّة من الأحاديث الواردة في نفس الباب مثل الحديث ١١ و ١٥ من الباب الحادي عشر من المستدرك ، ومثل الحديث ١٥ و ٢١ و ٣٤ و ٣٥ و ٣٦ من الباب الحادي عشر من الوسائل ( وإن كان بعضها لا يخلو عن كلام ) ممّا يدلّ على إرجاع الناس إلى أعاظم أصحابهم نظير زرارة وأبي بصير ومحمّد بن مسلم وزكريّا بن آدم وبريد بن معاوية وأشباههم ، ولا شكّ أنّهم كانوا ممّن يعالجون تعارض الأخبار ويجمعون بين المطلق والمقيّد والعام والخاصّ وما يشبه ذلك ، ولا شكّ في أنّ هذه نوع من الاجتهاد فالأخذ منهم كان من باب أخذ المقلّد من المجتهد.
إلى غير ذلك ممّا ورد في هذا المعنى وهى متفرّقة في أبواب مختلفة من الوسائل والمستدرك في أبواب صفات القاضي.
الأمر الرابع : إجماع المسلمين ، وقد يعبّر عنه بسيرة المتشرّعة لأنّه إجماع عملي والظاهر أنّه أيضاً ينشأ من بناء العقلاء على رجوع الجاهل إلى العالم ، ولا أقلّ من احتماله ، أي احتمال أنّ المتشرّعين والمتديّنين بنوا على الرجوع إلى العالم بالمسائل الشرعيّة لا بما هم متشرّعون بهذا الشرع المقدّس بل بما هم عقلاء أو بما أنّه من الامور الفطريّة الارتكازيّة ( كما إعترف به المحقّق الخراساني ) ثمّ أمضاه الشارع المقدّس وإذاً ليس الإجماع أو السيرة دليلاً مستقلاً برأسه.
هذا كلّه ما يمكن أن يستدلّ به لجواز التقليد ، ولكن مع ذلك كلّه نقل صاحب المعالم وصاحب الفصول عدم جوازه عن جماعة ، فقال صاحب المعالم قدسسره ، أنّه عزى في الذكرى إلى بعض علماء الأصحاب وفقهاء حلب منهم القول بوجوب الاستدلال على العوام ، وقال
__________________
(١) مستدرك الوسائل : الباب ١١ ، من أبواب صفات القاضي ، ح ٩.