السابق إلاّمن باب العدم الأزلي فتجري حينئذٍ أصالة الطهارة بلا مانع بناءً على ما هو المختار من عدم حجّية أصل العدم الأزلي.
وعلى الثالث : فلا إشكال أيضاً في عدم جريانها لأنّ التذكية وهى خصوص الذبح الشرعي حاصلة بالوجدان والشكّ إنّما هو في حصول بعض شرائطها.
والمحقّق النائيني رحمهالله اختار المعنى الثالث لقوله تعالى : ( إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ ) إذ إنّ نسبة التذكية إلى الفاعلين تدلّ على أنّها من فعلهم (١).
ولكن يرد عليه : أنّ إسناد الفعل إلى الجزء الأخير من العلّة إسناد شائع ، وهذا يناسب المعنى الثاني أيضاً ، نعم إنّ أصل مدّعاه تامّ لعدم وجود حقيقة شرعيّة في معنى التذكية ، فتحمل على معناها العرفي ، ولا إشكال في أنّ مدلولها العرفي إنّما هو المعنى الثالث لأنّ أصلها الذكاء ( بالذال ) لا الزكاء ( بالزاء ) كما وقع الخلط بينهما في كلمات بعض الأعاظم ، ففي مفردات الراغب : التذكية ( بالذال ) في الأصل بمعنى الإضاءة وذكّيت الشاة ذبحتها ، وحقيقة التذكية إخراج الحرارة الغريزيّة ، بينما التزكية ( بالزاء ) بمعنى النموّ والبركة والتطهير.
وبالجملة المرجع في المقام هو المعنى العرفي لعدم حقيقة شرعية لها ( وما جاء في الشريعة من بعض الشروط فهو خارج عن حقيقتها ) والمعنى العرفي إنّما هو المعنى الثالث ، وعليه لا تجري أصالة عدم التذكية لأنّها حاصلة بالوجدان.
بقي هنا أمران :
الأوّل : أنّه قد ذكر في كلمات بعضهم أصل آخر يتوهّم حكومته على أصالة الحلّية ، وهو استصحاب الحرمة في حال الحياة.
ولكن يمكن الجواب عنه بأمرين :
أحدهما : عدم اتّحاد القضيّة المتيقّنة مع القضية المشكوكة في المقام ، لأنّ الموضوع في الاولى هو الحيوان الحيّ ، وفي الثانية الحيوان الميّت ، ولعلّ الحياة مقوّمة لحرمة الأكل.
ثانيهما : حرمة الأكل في حال الحياة أوّل الكلام لأنّ أكل الحيوان حيّاً غير ممكن إلاّفيما هو صغير جدّاً كالسمكة الصغيرة التي يمكن بلعها لدفع بعض الأمراض على ما هو المعروف
__________________
(١) راجع فوائد الاصول : ج ٣ ، ص ٣٨٢.