بين الناس ، فلا موضوع للحلّية والحرمة حينئذٍ.
الثاني : في جريان أصالة عدم التذكية من ناحية الشبهة الموضوعيّة.
كان البحث إلى هنا في جريان أصالة عدم التذكية من ناحية الشبهة الحكميّة ، وأمّا جريانها من ناحية الشبهة الموضوعيّة فيتصوّر له ثلاث صور :
الاولى : في القطعة المطروحة في الطريق التي شكّ في أنّها من الحيوان المذكّى أو غير المذكّى ، فلا إشكال في أنّها محكومة بالحرمة لجريان أصالة عدم التذكية فيها بمعانيها الثلاثة كما لا يخفى ، وأمّا الرواية (١) الواردة في السفرة المطروحة في الطريق من أنّه يجوز أكل لحمها فالظاهر أنّه لمكان كون البلد بلداً مسلماً ، وهو أمارة على الحلّية ، ومقدّمة على أصالة عدم التذكية.
الثانية : في القطعة المبانة التي يدور أمرها بين حيوانين ، أحدهما مذكّى ، والثاني غير مذكّى ، ففيها أيضاً تجري أصالة عدم التذكية ، نعم أنّها لا تجري بالنسبة إلى نفس القطعة لأنّ التذكية صفة تعرض على كلّ الحيوان لا على بعضه بل لابدّ أن يكون المستصحب عنوان « ما أخذ منه اللحم » فيقال الحيوان الذي يكون منه هذا اللحم كان غير مذكّى ، فيستصحب عدم تذكيته الذي من آثاره عدم حلّية هذه القطعة أيضاً.
الثالثة : ما إذا كانت هناك قطعات مختلفة مذكّاة وغير مذكّاة اختلط بعضها ببعض ، فهل يجب الاجتناب عنها أو لا؟ فيتصوّر فيها صورتان : تارةً يكون كلا الحيوانين داخلين في محلّ الابتلاء ، فلا إشكال في وجوب الإجتناب عن كلّ واحد من تلك القطعات لمكان العلم الإجمالي ، واخرى يكون أحدهما خارجاً عن محلّ الابتلاء ففيها وإن لم يكن العلم الإجمالي منجّزاً لكن تجري أصالة عدم التذكية بالنسبة إلى « ما أخذ منه هذا اللحم » ويحكم بحرمة كلّ قطعة بلا ريب.
فتحصّل من ذلك جريان أصالة عدم التذكية في الشبهة الموضوعيّة بجميع صورها.
ثمّ إنّ هيهنا إشكالاً أورده بعض الأعلام على جريان أصالة عدم التذكية مطلقاً وفي جميع
__________________
(١) وهى ما رواه السكوني عن أبي عبدالله عليهالسلام أنّ أمير المؤمنين عليهالسلام سئل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة كثير لحمها وخبزها وجبنها وبيضها وفيها سكّين. فقال أمير المؤمنين عليهالسلام : يقوّم ما فيها ثمّ يؤكل لأنّه يفسد وليس له بقاء فإن جاء طالبها غرموا له الثمن ، قيل : يا أمير المؤمنين : لا ندري سفرة مسلم أو سفرة مجوسي فقال : هم في سعة حتّى يعلموا. ( وسائل الشيعة : كتاب الصيد والذبائح الباب ٣٨ ، ح ٢ ).