٤ ـ ما أفاده المحقّق النائيني رحمهالله من « أنّ هذه الأخبار مسوقة لبيان أنّ البلوغ يحدث مصلحة في العمل بها فيكون البلوغ كسائر العناوين الطارئة على الأفعال الموجبة لحسنها وقبحها والمقتضية لتغيير أحكامها ، كالضرر والعسر والنذر والإكراه وغير ذلك من العناوين الثانوية ، فيصير حاصل معنى قوله عليهالسلام « إذا بلغه بعد حمل الجملة الخبرية على الإنشائيّة هو أنّه يستحبّ العمل عند بلوغ الثواب عليه كما يجب العمل عند نذره ، فيكون مفاد الأخبار حجّيه قول المبلّغ وأنّ ما أخبر به هو الواقع ، فيترتّب عليه كلّ ما يترتّب على الخبر الواجد للشرائط » (١).
أقول : إنّ معنى هذا الكلام قبول دلالة الأخبار على الاستحباب لعدم الفرق بين أن نستفيد منها الحجّية الاصوليّة أو الاستحباب في مسألة فقهيّة ولا تترتّب عليه ثمره غير ما سيأتي ذكره في التنبيهات ، فليس هذا إشكالاً على دلالة أخبار من بلغ.
٥ ـ ما ذهب إليه في تهذيب الاصول وهو : « أنّ الظاهر من هذه الأخبار أنّ وزانها وزان الجعالة ، بمعنى وضع الحكم على العنوان العام ليتعقّبه كلّ من أراد ، فكما أنّ تلك ، جعل معلّق على ردّ الضالّة ، فهذا أيضاً جعل متعلّق على الإتيان بالعمل بعد البلوغ برجاء الثواب.
توضيحه : أنّ غرض الشارع لما تعلّق على التحفّظ بعامّة السنن والمستحبّات ويرى أنّ الاكتفاء في طريق تحصيلها بالطرق المألوفة ربّما يوجب تفويت بعضها ، فلأجل ذلك توصّل إلى مراده بالحثّ والترغيب إلى إتيان كلّ ما سمع عن الغير الذي يحتمل كونه ممّا أمر به رسول الله صلىاللهعليهوآله وأردف حثّه باستحقاق الثواب وترتّب المثوبة على نفس العمل حتّى يحدث في نفس المكلّف شوقاً إلى الإتيان ، لعلمه بأنّه يثاب بعمله طابق الواقع أو خالف ... وممّا ذكرنا يظهر إنّ استفادة الاستحباب الشرعي منها مشكل غايته ، للفرق الواضح بين ترتّب الثواب على عمل له خصوصيّة ورجحان ذاتي فيه كما في المستحبّات وبين ترتّب الثواب على الشيء لأجل إدراك المكلّف ما هو الواقع المجهول كما في المقام ، كما أنّ جعل الثواب على المقدّمات العلمية لأجل إدراك الواقع لا يلازم كونها اموراً استحبابيّة وكما أنّ جعل الثواب على المشي في طريق الوفود إلى الله أو إلى زيارة الإمام الطاهر الحسين بن علي عليهماالسلام لأجل الحثّ إلى زيارة بيت الله
__________________
(١) فوائد الاصول : ج ٣ ، ص ٤١٤ و ٤١٥ ، طبع جماعة المدرّسين.