الوجوب فلا بأس به لأنّ المعتبر دلالته على رجحان الفعل وترتّب الثواب فيصير بضميمة أخبار من بلغ دليلاً على الاستحباب.
هذا كلّه هو ما اورد على أخبار من بلغ من الإيرادات حيث كان الأوّل منها إيراداً من ناحية السند والباقي من ناحية الدلالة ، وكان أهمّها الذي لا يمكن الجواب عنه ، هو الإشكال الثاني وحينئذٍ لا يمكن التمسّك بهذه الأخبار لإثبات استحباب ما أمرت به الأخبار الضعاف ، فلا يجوز الفتوى بالاستحباب بل لابدّ أن يقيّد بلزوم إتيان العمل بقصد الرجاء ، وبهذا يسقط كثير من المستحبّات الواردة في كتب الفتوى والرسائل العمليّة ، فاللازم الإتيان بها بقصد الرجاء لا الورود ، إلاّ إذا كان دليلها الأخبار المعتبرة لا الضعاف.
ثمّ إنّه لو سلّمنا دلالتها على الاستحباب فليس مفادها حجّية الخبر الضعيف بعنوان مسألة اصوليّة بحيث يكون مثل قوله عليهالسلام : « ما أدّيا عنّي فعنّي يؤدّيان » بل إنّ مفادها مجرّد إعطاء قاعدة كلّية فقهيّة وهى استحباب العمل بعنوان ثانوي وهو عنوان البلوغ.
والفرق بين الأمرين يظهر في بعض الفروع نظير ما مثّل به الشيخ الأعظم الأنصاري رحمهالله في رسائله من غسل المسترسل من اللحية في الوضوء ، فالحكم باستحبابه من باب دلالة خبر ضعيف عليه لا يوجب جواز المسح ببلله لأنّ المسح لابدّ من أن يكون من بلل الوضوء ، ولا يصحّ ببلل ما ليس منه ولو كان مستحبّاً فيه إلاّ إذا ثبت كونه جزءاً مستحبّاً من الوضوء بدليل معتبر ، فلا إشكال حينئذٍ في جواز المسح به.
أضف إلى ذلك كلّه خروج هذه الأخبار عن محلّ النزاع ( وهو تصحيح العبادة الاحتياطيّة ) لأنّه إمّا أن تكون أخبار من بلغ كافية لإثبات الاستحباب الشرعي أو لا ، وفي كلا الحالين يكون البحث عنها خارجاً عن محلّ النزاع ، أمّا على الأوّل فلأنّ محلّ البحث في المقام ما إذا لم يكن في البين حجّة على الوجوب أو الاستحباب واريد الاحتياط ، فلو كانت هذه الأخبار كافية لإثبات الحجّية للخبر الضعيف فلا معنى لإتيان العمل بقصد الاحتياط كما لا يخفى.
وأمّا على الثاني فلأنّ المفروض في محلّ الكلام عدم كفاية قصد الرجاء مع أنّ مقتضى التعبير الوارد في هذه الأخبار لزوم قصد الرجاء في هذه الموارد ، فلا فائدة في الاستناد إلى أخبار من بلغ لما هو محلّ البحث.