وقال (١) : والغرض من زيادة الحروف عند سيبويه (٢) التأكيد ، قال عند ذكره (فَبِما نَقْضِهِمْ) [النساء : ١٥٥] فهي لغو في أنها لم تحدث إذ جاءت شيئا لم يكن قبل أن تجيء من العمل ، وهو توكيد للكلام.
قال السيرافي : بين سيبويه عن معنى اللغو في الحرف الذي يسمونه لغوا ، وبيّن أنه للتأكيد لئلا يظن إنسان أنه دخل الحرف لغير معنى البتة لأن التوكيد معنى صحيح ومذهب غيره أنها زيدت طلبا للفصاحة ، إذ ربما لم يتمكن دون الزيادة للنظم والسجع وغيرهما من الأمور اللفظية ، فإذا زيد شيء من هذه الزوائد تأتى له وصلح.
ومذهب الفرّاء أن هذه الحروف معتبر فيها معانيها التي وضعت لها وإنما كررت تأكيدا ، فهي عنده من التأكيد اللفظي ، وعند سيبويه تأكيد للمعنى ، ويبطل مذهب الفرّاء بأن لا يطّرد في كل الحروف ، ألا ترى أن من في قولك : ما جاءني من أحد ، ليست حرف نفي وقد أكدت النفي وجعلته عاما.
فإن قلت : العرب تحذف من نفس الكلمة طلبا للاختصار فلا تزيد شيئا لا يدل على معنى وهل هذا إلا تناقض في فعل الحكيم؟.
قلت : إنما يكون ما ذكرت لو كان زائدا لا لمعنى أصلا ورأسا ، أما إذا كان فيه ما ذكرنا من الوجهين : وهي التوصل إلى الفصاحة والتمكن ، وتوكيد المعنى وتقريره في النفس فكيف يقال إنها تزاد لا لمعنى؟.
فإن قلت : فكان ينبغي أن تزاد أنّ المشدّدة في هذا الباب. قلت : حروف الصلة تتبين زيادتها بالإضافة إلى ما لها من المعنى بالإضافة إلى أصل الكلام بخلاف أن وإن فإنه لم يتبيّن زيادتهما بالإضافة إلى ما لهما من المعنى. انتهى.
وقال اللّبلي : معنى كون هذه الحروف زوائد أنك لو حذفتها لم يتغير الكلام عن معناه الأصلي ، وإنما قلنا : لم يتغير عن معناه الأصلي لأن زيادة هذه الحروف تفيد معنى وهو التوكيد ، ولم تكن الزيادة عند سيبويه لغير معنى البتة. لأن التوكيد معنى صحيح ، لأن تكثير اللفظ يفيد تقوية المعنى.
وقيل : إنما زيدت طلبا للفصاحة ، إذ ربما يتعذر النظم بدون الزيادة وكذلك السجع ، فأفادت الزيادة التوسعة في اللفظ مع ما ذكرنا من التوكيد وتقوية المعنى.
__________________
(١) انظر شرح المفصّل (٨ / ١٢٩).
(٢) انظر الكتاب (٤ / ٣٤١).