للتفرقة بين المعاني نحو : ما أحسن زيدا ، بنصب زيد إن أردت التعجب من حسنه ، وبرفعه إن أردت نفي الإحسان عنه ، وبرفع أحسن وخفض زيد إن أردت الاستفهام عن الأحسن ألا ترى أن هذه المعاني لو لا الإعراب لالتبست.
فإن قيل : إن الإعراب قد يوجد في الأسماء غير مفتقر إليه نحو : شرب محمد الماء ، وركب الفرس عمرو ، وأشباه ذلك ، ألا ترى أن الفاعل هاهنا لا يلتبس بالمفعول إذا أزيل الإعراب؟ فالجواب أن الإعراب لما افتقر إليه في بعض الأسماء حمل سائرها على ذلك ، كما أن العرب لما حذفت الواو من (يعد) لوقوعها بين ياء وكسرة ، حذفت من أعد ونعد وتعد حملا على ذلك.
وقال أبو البقاء في التبيين : إذا جرى اسم الفاعل والصفة المشبهة على غير ذلك من هما له ، وجب إبراز الضمير فيهما مطلقا عند البصريين لأن ترك إبرازه يفضي إلى اللبس في بعض المواضع نحو : زيد عمرو ضاربه هو ، واللبس يزول بإبراز الضمير فيجب أن يبرز نفيا للبس. ثم يطرد الباب فيما لا يلبس نحو : زيد هند ضاربته هي ، كما فعلوا ذلك في كثير من المواضع نحو : نعد وتعد وأعد ، فإنهم حذفوا منها الواو كما حذفوها من يعد ، وكذلك يكرم ونكرم وتكرم ، محمولة على أكرم.
وقال ابن القواس في (شرح ألفية ابن معط) : قدر الكسر في المنقوص لاجتماع الأمثال إذ الياء بكسرتين والضم حمل على الكسر للمناسبة فيهما بدليل اجتماع أصليهما ردفين دون الألف ، ولأن الضمة أثقل من الكسرة بدليل قلب الواو ياء إذا اجتمعتا مطلقا ، وظهر النصب لخفة الفتحة ، ولم تعد الواو في : رأيت غازيا وداعيا فيقال : غازوا وداعوا ، لثبوت القلب رفعا وجرا تغليبا للحالتين وطردا للباب.
وقال عبد القاهر : هذا أقيس من حمل أعد ونعد وتعد لأن الحمل المؤدي لإعلال اللام أولى من المؤدي لإعلال الفاء ، لأن اللام محل التغيير ، ولأن المنقوص حمل فيه حالة على حالتين ، وباب يعد حمل فيه ثلاثة أشياء على شيء واحد.
وقال ابن النحاس في (التعليقة) : من أجاز تقديم خبر ليس عليها ، ودليله أن ليس فعل ناقص مثل أخواتها ، فإذا جوزنا في كان وأخواتها يجوز في ليس أيضا طردا للباب.
وقال ابن يعيش في (شرح المفصّل) (١) : الأصل في نرى ويرى وترى : نرأى
__________________
(١) انظر شرح المفصّل (٩ / ١١٠).