انقطاع الجملة عما قبلها لهذا السبب فلم يحتج إلى إعمالها وإظهارها وبقي الحديث كما كان قبل دخولها مستغنيا عن تأثيرها فيه.
وأما حرف (لا) فإن كان عاطفا فحكمه حكم حروف العطف ، ولا شيء منها عامل فإن لم تكن عاطفة نحو لا زيد قائم ولا عمرو ، فلا حاجة إلى إعمالها في الجملة لأنه لا يتوهم انفصال الجملة بقوله : ولا عمرو ، لأن الواو مع (لا) الثانية تشعر بالأولى لا محالة ، وتربط الكلام بها فلم يحتج إلى إعمالها وبقيت الجملة عاملا فيها الابتداء كما كانت قبل دخول (لا) إلا أنهم في النكرات قد أدخلوها على المبتدأ والخبر تشبيها بليس ، لأن النكرة أبعد في باب الابتداء من المعرفة ، والمعرفة أشد استبدادا بأول الكلام. وأما التي للتبرئة فللنحويين فيها اختلاف أهي عاملة أم لا؟ ، فإن كانت عاملة فكما أعملوا (إن) حرصا على إظهار تشبثها بالحديث ، وإن لم تكن عاملة فلا كلام. ،
وأما حرف النداء فعامل في المنادى عند بعضهم والذي يظهر خلافه ولو كان عاملا لما جاز حذفه وإبقاء عمله.
فإن قلت : فلم عملت النواصب والجوازم في المضارع والفعل بعدها جملة ، ثم إن المضارع قبل دخولها كان مرفوعا بعامل معنوي ، فهلا منع هذا العامل هذه الحروف من العمل كما منع الابتداء الحروف الداخلة على الجملة من العمل إلا أن يخشى انقطاع الجملة كما خيف في إن وأخواتها؟.
فالجواب من وجهين :
أحدهما : أن الابتداء أقوى من عامل المضارع وإن كان كل منهما معنويا ، لأن عامل المضارع هو وقوعه موقع الاسم المخبر عنه فهو تابع له فلم يقو قوته ، فلم يمنع شيئا من الحروف اللفظية عن العمل.
والثاني : أن هذه الحروف لم تدخل لمعنى في الجملة ، إنما دخلت لمعنى في الفعل خاصة ، فوجب عملها فيه ، كما وجب عمل حروف الجر في الأسماء من حيث دلت على معنى فيها لا في الجملة.
وأما (إلا) في الاستثناء فقد زعم بعضهم أنها عاملة ، والصحيح أنها موصلة الفعل إلى العمل في الاسم بعدها كتوصيل واو المفعول معه الفعل إلى العمل فيما بعدها ، فاستغنوا بإيصالها العامل عن إعمالها عملا آخر ، وكأنها هي العاملة ومثلها في ذلك حروف العطف.