أي : رب رسم دار ، وكان رؤبة إذا قيل له كيف أصبحت؟ فيقول : خير عافاك الله ، أي بخير ويحذف الباء لدلالة الحال عليها لجري العادة والعرف بها.
وكذلك قولهم : الذي ضربت زيد ، تريد الهاء وتحذفها لأن في الموضع دليلا عليها ، وعلى نحو من هذا تتوجه عندنا قراءة حمزة : (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) [النساء : ١] ليست هذه القراءة عندنا من الإبعاد والضعف على ما رآه فيها أبو العباس ، بل الأمر فيها أقرب وأخف وألطف ، وذلك أن لحمزة أن يقول لأبي العباس : لم أحمل (الأرحام) على العطف على المجرور المضمر ، بل اعتقدت أن يكون فيه باء ثانية حتى كأني قلت : وبالأرحام ، ثم حذفت الباء لتقدم ذكرها ، كما حذفت لتقدم ذكرها أيضا في نحو قولك : بمن تمرر أمرر ، وعلى من تنزل أنزل ، وإذا جاز للفرزدق أن يحذف حرف الجر لدلالة ما قبله عليه مع مخالفته في الحكم له في قوله : [الطويل]
٢٠٩ ـ وإنّي من قوم بهم يتّقى العدا |
|
ورأب الثّأى والجانب المتخوّف |
أي : وبهم رأب الثأى ، فحذف الباء في هذا الموضع لتقدمها في قوله : (بهم يتّقى العدا) وإن كانت حالاهما مختلفتين ، ألا ترى أن الباء في قوله : بهم يتقى العدا ، منصوبة الموضع لتعلقها بالفعل الظاهر الذي هو يتقى كقوله : بالسيف يضرب زيد ، والباء في قوله : وبهم رأب الثأى مرفوعة الموضع عند قوم ، وعلى كل حال فهي متعلقة بمحذوف ورافعة للرأب ـ ونظائر هذا كثيرة ـ كان حذف الباء في قوله : (والأرحام) لمشابهتها الباء في (به) موضعا وحكما أجدر.
وقد أجازوا : تبا له وويل ، على تقدير : وويل له ، فحذفوها وإن كانت اللام في : تبا له ، لا ضمير فيها وهي متعلقة بنفس (تبا) ، مثلها في هلم لك ، وكانت اللام في (وويل) خبرا ، ومتعلقة بمحذوف وفيها ضمير.
فإن قلت : فإذا كان المحذوف للدلالة عليه عندك بمنزلة الظاهر فهل تجيز توكيد الهاء المحذوفة في نحو قولك : الذي ضربت زيد ، فتقول : الذي ضربت نفسه زيد ، كما تقول : الذي ضربته نفسه زيد؟ قيل : هذا عندنا غير جائز وليس ذلك لأن المحذوف هنا ليس بمنزلة المثبت ، بل لأمر آخر ، وهو أن الحذف هنا إنما الغرض فيه التخفيف لطول الاسم ، فلو ذهبت تؤكده لنقضت الغرض ، وذلك أن التوكيد
__________________
٢٠٩ ـ الشاهد للفرزدق في ديوانه (٢ / ٢٩) ، وجمهرة أشعار العرب (٨٨٧) ، ولسان العرب (رأب) ، وبلا نسبة في الخصائص (١ / ٢٨٦).