والإسهاب ضد التخفيف والإيجاز ، فلما كان الأمر كذلك تدافع الحكمان فلم يجز أن يجتمعا كما لا يجوز إدغام الملحق نحو : اقعنسس لما يلحق فيه من نقض الغرض.
ومن هذا الباب قولهم (١) : راكب الناقة طليحان ، أي : راكب الناقة والناقة ، فحذف المعطوف لتقدّم ذكر الناقة الدال عليه ، ولما كان المحذوف لدليل بمنزلة الملفوظ به جاء الخبر مثنى.
وقال ابن هشام في (المغني) : أول من شرط للحذف أن لا يكون مؤكدا الأخفش ، فإنه منع في نحو : الذي رأيت زيد ، أن يؤكد العائد المحذوف بقولك : نفسه ، لأن المؤكّد مريد للطول والحاذف مريد للاختصار ، وتبعه الفارسي فرد في كتاب (الإغفال) قول الزجاج في : (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) [طه : ٦٣] أن التقدير : إن هذان لهما ساحران ، فقال : الحذف والتوكيد باللام متنافيان ، وتبع أبا علي أبو الفتح فقال في (الخصائص) : لا يجوز «الذي ضربت نفسه زيد» كما لا يجوز إدغام نحو (اقعنسس) لما فيهما جميعا من نقض الغرض ، وتبعهم ابن مالك فقال : لا يجوز حذف عامل المصدر المؤكد كضربت ضربا ، لأن المقصود تقوية عامله ، وتقرير معناه والحذف مناف لذلك.
وهؤلاء كلهم مخالفون للخليل وسيبويه ، فإن سيبويه سأل الخليل عن نحو : مررت بزيد ، وأتاني أخوه أنفسهما ، كيف ينطق بالتوكيد؟ فأجابه : بأنه يرفع بتقدير : هما صاحباي أنفسهما ، وينصب بتقدير : أعنيهما أنفسهما ووافقها على ذلك جماعة واستدلوا بقول العرب : [المنسرح]
٢١٠ ـ إنّ محلّا وإن مرتحلا |
|
[وإن في السّفر إذ مضوا مهلا] |
وإن مالا وإن ولدا ، فحذفوا الخبر مع أنه مؤكد بإنّ ، وفيه نظر ، فإن المؤكد نسبة الخبر إلى الاسم لا نفس الخبر.
__________________
(١) انظر مغني اللبيب (٢ / ٦٧٣).
٢١٠ ـ الشاهد للأعشى في ديوانه (ص ٢٨٣) ، وخزانة الأدب (١٠ / ٤٥٢) ، والخصائص (٢ / ١٧٣) ، وسرّ صناعة الإعراب (٢ / ٥١٧) ، والشعر والشعراء (ص ٧٥) ، ولسان العرب (رحل) ، والمحتسب (١ / ٣٤٩) ، والمقتضب (٤ / ١٣٠) ، والمقرّب (١ / ١٠٩) ، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب (١ / ٣٤٥) ، وخزانة الأدب (٩ / ٢٢٧) ، ورصف المباني (ص ٢٩٨) ، وشرح شواهد المغني (١ / ٢٣٨) ، وشرح المفصّل (٨ / ٨٤) ، والصاحبي في فقه اللغة (ص ١٣٠) ، ولسان العرب (جلل).