أفعل متعديا ، لأن هذه الهمزة أكثر ما تجيء للتعدية ، وذلك نحو قام زيد ، وأقمت زيدا ، وقعد بكر وأقعدت بكرا ، فإن كان فعل متعديا إلى مفعول واحد فنقلته بالهمزة صار متعديا إلى اثنين ، نحو طعم زيد خبزا ، وأطعمته خبزا ، وعطا بكر درهما ، وأعطيته درهما.
فأما كسي زيد ثوبا ، وكسوته ثوبا ، فإنه وإن لم ينقل بالهمزة فإنه نقل بالمثال ، ألا تراه نقل من فعل إلى فعل ، وإنما جاز نقله بفعل لما كان فعل وأفعل كثيرا ما يعتقبان على المعنى الواحد ، نحو : جد في الأمر ، وأجد ، وصددته عن كذا ، وأصددته ، وقصر عن الشيء وأقصر ، وسحته الله وأسحته ، ونحو ذلك ، فلما ، كانت فعل وأفعل على ما ذكرنا في الاعتقاب والتعاوض ، ونقل بأفعل ، نقل أيضا فعل بفعل نحو كسي زيد وكسوته ، وشترت عينه وشترتها ، وغارت عينه وغرتها ونحو ذلك.
هذا هو الحديث أن تنقل بالهمزة فيحدث النقل تعديا لم يكن قبله. غير أن ضربا من اللغة جاءت فيه هذه القضية معكوسة ، فتجد فعل فيها متعديا وأفعل غير متعدّ ، وذلك قولهم : أجفل الظليم ، وجفلته ، وأشنق البعير وشنقته ، وأنزفت البئر إذا ذهب ماؤها ، ونزفتها ، وأقشع الغيم وقشعته الريح ، وأنسل ريش الطائر ، ونسلته ، وأمرت الناقة إذا در لبنها ، ومريتها.
ونحو من ذلك ألوت الناقة بذنبها ، ولوت ذنبها ، وصرّ الفرس أذنه وأصرّ بأذنه ، وكبّه الله على وجهه ، وأكبّ هو ، وعلوت الوسادة وأعليت عليها ، فهذا نقض عادة الاستعمال لأن فعلت فيه متعدّ وأفعلت غير متعد.
وعلّة ذلك عندي أنه جعل تعدّى فعلت وجمود أفعلت كالعوض لفعلت من غلبة أفعلت لها على التعدي ، نحو : جلس وأجلسته ، ونهض وأنهضته كما جعل قلب الياء واوا في التقوى والرعوى والثنوى والفتوى عوضا للواو من كثرة دخول الياء عليها ، وكما جعل لزوم الضرب الأول من المنسرح لمفتعلن وحظر مجيئه تاما أو مخبونا ، بل توبعت فيه الحركات الثلاث البتة تعويضا للضرب من كثرة السواكن فيه نحو : مفعولن ومفعولان. ومستفعلان ونحو ذلك مما التقى في آخره من الضروب ساكنان.
ونحو من ذلك ما جاء عنهم من أفعلته فهو مفعول ، وذلك نحو أحببته فهو محبوب ، وأجنّه الله فهو مجنون وأزكمه الله فهو مزكوم وأكزّه الله فهو مكزوز ، وأقرّه الله فهو مقرور ، وآرضه الله فهو مأروض ، وأملاه الله فهو مملوء ، وأضأده فهو مضؤود