ومما وضع للاختصار العدد ، فإن عشرة ومائة وألفا قائم مقام درهم ودرهم ودرهم إلى أن تأتي بجملة ما عندك مكررا هكذا ، ومن ثم قالوا : ثلاث مائة درهم ، ولم يقولوا : ثلاث مئات ، كما هو القياس في تمييز الثلاثة إلى العشرة أن يكون جمعا كثلاثة دراهم ؛ لأنهم أرادوا الاختصار تخفيفا لاستطالة الكلام باجتماع ثلاثة أشياء : العدد الأول والثاني والمعدود ، فخفّفوا بالتوحيد مع أمن اللّبس ، هكذا علّله الزمخشري في (الأحاجي) (١) ، وأورد عليه السخاوي في شرحه أنهم قالوا : ثلاثة آلاف درهم ، فلم يخفّفوا بالتوحيد مع اجتماع ثلاثة أشياء ، قال : والصواب في التوحيد أن المائة لما كانت مؤنثة استغني فيها بلفظ الإفراد عن الجمع لثقل التأنيث بخلاف الألف ، وقيل : إنما جمعوا في الألف دون المائة لأن الألف آخره مراتب العدد فحملوا الآخر على الأول كما قالوا : ثلاثة رجال. ومما بني على الاختصار منع الاستثناء من العدد ، لأن قولك : عندي تسعون ، أخصر من مائة إلا عشرة.
وقال الشيخ جمال الدين بن هشام في تذكرته : باب التصغير معدول به عن الوصف ، وقال : إنهم استغنوا بياء وتغيير كلمة عن وصف المسمّى بالصغر بعد ذكر اسمه ، ألا ترى أن ما لا يوصف لا يجوز تصغيره ، فدلّ ذلك على أن التصغير معدول به عن الوصف.
وقال الأندلسي : الغرض من التصغير وصف الشيء بالصغر على جهة الاختصار.
وقال ابن يعيش في (شرح المفصل) (٢) وصاحب (البسيط) : إنما أتي بالأعلام للاختصار وترك التطويل بتعداد الصفات ، ألا ترى أنه لو لا العلم لاحتجت إذا أردت الإخبار عن واحد من الرجال بعينه أن تعدّد صفاته حتى يعرفه المخاطب ، فأغنى العلم عن ذلك أجمع.
قال صاحب (البسيط) : ولهذا المعنى قال النحاة : العلم عبارة عن مجموع صفات.
قال صاحب (البسيط) : فائدة وضع أسماء الأفعال الاختصار والمبالغة ، أما الاختصار فإنها بلفظ واحد مع المذكر والمؤنث والمثنى والمجموع نحو : صه يا زيد ، وصه يا هند ، وصه يا زيدان ، وصه يا زيدون ، وصه يا هندات ؛ ولو جئت بمسمّى هذه اللفظة لقلت : اسكت واسكتي واسكتا واسكتوا واسكتن ، وأما المبالغة فتعلم من لفظها فإن (هيهات) أبلغ في الدلالة على البعد من (بعد) وكذلك باقيها ، ولو لا إرادة الاختصار والمبالغة لكانت الأفعال التي هي مسماها تغني عن وضعها.
__________________
(١) الأحاجي النحوية (ص ٥٠).
(٢) انظر شرح المفصل (١ / ٢٧).