وقال الشيخ بهاء الدين بن النحاس في التعليقة على المقرّب : كان الأصل أن يوضع لكل مؤنث لفظ غير لفظ المذكر كما قالوا : عير وأتان وجدي وعناق وجمل ورجل وحصان وحجر إلى غير ذلك ، لكنهم خافوا أن يكثر عليهم الألفاظ ويطول عليهم الأمر ، فاختصروا ذلك بأن أتوا بعلامة فرّقوا بها بين المذكر والمؤنث ، تارة في الصفة كضارب وضاربة ، وتارة في الاسم كامرئ وامرأة ومرء ومرأة في الحقيقي ، وبلد وبلدة في غير الحقيقي ، ثم إنهم تجاوزوا ذلك إلى أن جمعوا في الفرق بين اللفظ والعلامة للتوكيد وحرصا على البيان ، فقالوا : كبش ونعجة وحمل وناقة وبلد ومدينة.
وقال ابن القوّاس في (شرح ألفية ابن معطي) (١) : التصغير وصف في المعنى وفائدته الاختصار ، فإذا قلت : رجل ، احتمل التكبير والتصغير ، فإن أردت تخصيصه قلت : رجل صغير ، فإن أردته مع الاختصار قلت : رجيل ، ولذلك لا يصغّر الفعل.
وقال ابن النحاس : فإن قيل فما فائدة العدل؟ فالجواب : إن عمر أخصر من عامر.
وقال الشلوبين في (شرح الجزولية) : الفاعل إذا كان مخاطبا في أمره وجهان : أحدهما : أن يبنى فعل الفاعل بناء مخصوصا بالأمر وهو بناء أفعل وهو بمعناه نحو : قم واقعد.
والثاني : أن يدخل لام الطلب على فعله المضارع فيقال : لتقم ولتقعد والأجود الأول لأنه أخصر ، فاستغنوا بالأخصر عن غيره ، كما استغنوا بالضمير المتّصل عن الضمير المنفصل في قولك : قمت ولم يقولوا : قام أنا وقمت ولم يقولوا : قام أنت ، إلا أنه قد جاء المستغنى عنه في الأمر ولم يجئ في الضمائر في حال السعة. وقال في (البسيط) : لما كان الفعل يدلّ على المصدر بلفظه ، وعلى الزمان بصيغته ، وعلى المكان بمعناه ، اشتقّ منه اسم للمصدر ولمكان الفعل ولزمانه طلبا للاختصار والإيجاز ، لأنهم لو لم يشتقوا منه أسماءها للزم الإتيان بالفعل وبلفظ الزمان والمكان ، وفيه ذهب بعضهم إلى أن باب مثنى وثلاث ورباع معدول عن عدد مكرّر طلبا للمبالغة والاختصار.
__________________
(١) ابن معطي : يحيى بن عبد المعطي بن عبد النور الحنفي ، أبو الحسين ، نحوي ، فقيه ، مقرئ ، أديب ، عروضي ، تتلمذ للجزولي. من آثاره : «الدرة الألفية في علم العربية أو ألفية ابن المعطي في النحو» و «منظومة في العروض» ، و «منظومة في القراءات السبع» ، وديوان شعر ، وديوان خطب. (ت ٦٢٨ ه / ١٢٣١ م). ترجمته في : وفيات الأعيان (٢ / ٣١٠) ، معجم الأدباء (٢٠ / ٣٥) ، بغية الوعاة (٤١٦).