حذفه ولا الحكم بزيادته ، فلهذا مذهب البصريين : المصير إلى التأويل ما أمكن صيانة عن الحكم بالزيادة أو الحذف.
وقال ابن جني في (الخصائص) (١) : تفسير قول أبي بكر أنها دخلت الكلام لضرب من الاختصار : أنك إذا قلت ما قام زيد ، فقد أغنت (ما) عن (أنفي) وهي جملة فعل وفاعل ، وإذا قلت : قام القوم إلّا زيدا فقد نابت (إلا) عن (أستثني) ، وإذا قلت : قام زيد وعمرو فقد نابت (الواو) عن (أعطف) ، وكذا (ليت) نابت عن (أتمنى) ، و (هل) عن (أستفهم) ، والباء في قولك : ليس زيد بقائم ، نابت عن (حقّا) ، و (البتة) و (غير ذي شكّ) ، وفي قولك : أمسكت بالحبل ، نابت عن المباشرة وملاصقة يدي له ، (ومن) في قولك : أكلت من الطعام ، نابت عن البعض أي : أكلت في بعض الطعام ، وكذا بقية ما لم نسمّه ، فإذا كانت هذه الحروف نوائب عما هو أكثر منها من الجمل وغيرها لم يجز من بعد ذلك أن تنتهك ويجحف بها.
قال : ولأجل ما ذكرناه من إرادة الاختصار فيها لم يجز أن تعمل في شيء من الفضلات : الظرف والحال والتمييز والاستثناء وغير ذلك ، وعلّته أنهم قد أنابوها عن الكلام الطويل لضرب من الاختصار ، فلو أعملوها لنقضوا ما أجمعوه وتراجعوا عما التزموه.
وقال ابن يعيش (٢) : حذف الحرف يأباه القياس لأن الحروف إنما جيء بها اختصارا ونائبة عن الأفعال ، فـ (ما) النافية نائبة عن أنفي ، وهمزة الاستفهام نائبة عن أستفهم ، وحروف العطف عن أعطف ، وحروف النداء نائبة عن أنادي ، فإذا أخذت تحذفها كان اختصارا لمختصر وهو إجحاف. إلا أنه ورد حذف حرف النداء كثيرا لقوة الدلالة على المحذوف فصارت القرائن الدالّة على المحذوف كالتلفّظ به. وقال أيضا : ليس الأصل في الحروف الحذف إلا أن يكون مضاعفا فيخفّف نحو : إنّ ولكن وربّ.
إذا اجتمع مثلان وحذف أحدهما فالمحذوف الأول أو الثاني؟ فيه فروع :
أحدها : إذا اجتمع نون الوقاية ونون الرفع جاز حذف إحداهما تخفيفا نحو : (أَتُحاجُّونِّي) [الأنعام : ٨٠] ، و (تَأْمُرُونِّي) [الزمر : ٦٤] ، وهل المحذوف نون الرفع أو نون الوقاية؟ خلاف. ذهب سيبويه (٣) إلى الأول ، ورجّحه ابن مالك ؛ لأن نون الرفع قد تحذف بلا سبب.
__________________
(١) انظر الخصائص (٢ / ٢٧٣).
(٢) انظر شرح المفصل (٢ / ١٥).
(٣) انظر الكتاب (٤ / ٣).