كقوله : [الرجز]
٢٣ ـ أبيت أسري وتبيتي تدلكي |
|
[شعرك بالعنبر والمسك الذكي] |
ولم يعهد ذلك في نون الوقاية ، وحذف ما عهد حذفه أولى ، ولأنها نائبة عن الضمة ، وقد عهد حذفها تخفيفا في نحو : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ) [البقرة : ٦٧] ، (وَما يُشْعِرُكُمْ) [الأنعام : ٦] ، في قراءة من سكّن ، ولأنها جزء كلمة ونون الوقاية كلمة ، وحذف الجزء أسهل.
وذهب المبرد والسيرافي والفارسي وابن جني وأكثر المتأخرين منهم : صاحب (البسيط) ، وابن هشام إلى الثاني ، لأنها لا تدلّ على إعراب فكانت أولى بالحذف ، لأنها دخلت لغير عامل ، ونون الرفع دخلت لعامل ، فلو كانت المحذوفة لزم وجود مؤثر بلا أثر مع إمكانه ، ولأن الثقل نشأ من الثانية فهي أحق بالحذف.
الثاني : إذا اجتمع نون الوقاية ونون إنّ وأنّ وكأنّ ولكنّ ، جاز حذف أحدهما (٢) ، وفي المحذوفة قولان : أحدهما نون الوقاية وعليه الجمهور ، وقيل نون (أنّ) لأن نون الوقاية دخلت للفرق بين أنني وأني ، وما دخل للفرق لا يحذف ، ثم اختلف ، هل المحذوفة الأولى المدغمة لأنها ساكنة والساكن يسرع إلى الحذف؟ أو الثانية المدغم فيها لأنها طرف؟ على قولين ، صحح أبو البقاء في (اللّباب) أولهما.
الثالث : إذا اجتمع نون الضمير ونون الحروف الأربعة المذكورة جاز حذف أحدهما نحو ، أنّا ولكنّا ، وهل المحذوفة الأولى المدغمة أو الثانية المدغم فيها؟ القولان السابقان ، ولم يجز هنا القول بأن المحذوف نون الضمير لأنها اسم فلا تحذف. ثم رأيت ابن الصائغ قال في (تذكرته) : في كلا أبي علي في الأغفال ما يدلّ على أن المحذوف نون ضمير النصب في قولنا : كأنا ، وتاء تفعل في قولنا : هل تكلّم ، قال ذلك على لسان أبي العباس نقلا عن أبي بكر تقوية لمن يذهب في أن المحذوف من (لاه) اللّام الأصلية لا لام الإضافة كما ذهب إليه سيبويه (٣) ، وقال : لأنّ ما يحذف من المكرّرات إنما يحذف للاستثقال وإنما يقع الاستثقال فيما يتكرّر لا في المبدوء به الأول. ثم قال عقب ذلك : والذي رجّحه أبو علي أن المحذوف من
__________________
٢٣ ـ الشاهد بلا نسبة في الخصائص (١ / ٣٨٨) ، والمحتسب (٢ / ٢٢) ، والخزانة (٣ / ٥٢٥) ، والتصريح (١ / ١١١) ، والهمع (١ / ٥١) ، والدرر (١ / ٢٧).
(١) انظر الكتاب (٢ / ٣٩١).
(٢) انظر الكتاب (٤ / ٣).