عندي قول النحويين إنه مفعول مقدّم ، وإن كان المعمول لا يتقدم على العامل ، والفعل كالحرف ، لأنه عامل في الاسم ، وذلك على معنى فيه ، فلا ينبغي للاسم أن يتقدّم على الفعل كما لا يتقدّم على الحرف ، ولكن الفعل في قولك : (ضربت زيدا) قد أخذ معموله وهو الفاعل فمعتمده عليه ومن أجله صيغ.
وأما المفعول فلم يبالوا به ، إذ ليس اعتماد الفعل عليه كاعتماده على الفاعل ، ألا ترى أنه يحذف والفاعل لا يحذف فليس تقديمه على الفعل العامل فيه بأبعد من حذفه ـ وأما زيدا ضربته فينتصب بالقصد إليه كما قال الشيخ ـ انتهى كلام السهيلي.
قال ابن القيم في (بدائع الفوائد) (١) : وهذا الفصل من أعجب كلامه ولا أعرف أحدا من النحويين سبقه إليه.
الرابعة : قال ابن يعيش في (شرح المفصّل) (٢) : قد يكون الاسمان مشتقين من شيء والمعنى فيهما واحد وبناؤهما مختلف فيختصّ أحد البناءين شيئا دون شيء للفرق ، ألا ترى أنهم قالوا : عدل ، لما يعادل من المتاع ، وعديل لما يعادل من الأناسي ، والأصل واحد وهو (ع د ل) ، والمعنى واحد ، ولكنهم خصّوا كل بناء بمعنى لا يشاركه فيه الآخر للفرق ، ومثله : بناء حصين وامرأة حصان ، والأصل واحد والمعنى واحد وهو الحرز ، فالبناء يحرز من يكون فيه ويلجأ إليه ، والمرأة تحرز فرجها ، وكذلك النجوم اختصّت بهذه الأبنية التي هي الدّبران والسّماك والعيّوق ، فلا يطلق عليها الدّابر والعائق والسّامك وإن كانت بمعناها للفرق.
الخامسة : قال ابن يعيش (٣) : الفرق بين العدل وبين الاشتقاق الذي ليس بعدل أن الاشتقاق يكون لمعنى آخر أخذ من الأول كضارب من الضرب فهذا ليس بعدل ولا من الأسباب المانعة من الصرف ، لأنه اشتقّ من الأصل لمعنى الفاعل وهو غير معنى الأصل الذي هو الضرب ، والعدل هو أن تريد لفظا ثم تعدل عنه إلى لفظ آخر فيكون المسموع لفظا والمراد غيره ، ولا يكون العدل في المعنى ، إنما يكون في اللفظ ، فلذلك كان سببا في منع الصرف لأنه فرع عن المعدول عنه. انتهى.
وقال الرماني : العدل ضرب من الاشتقاق ، إلا أنه مضمن بتقدير وضعه موضع
__________________
(١) انظر بدائع الفوائد (١ / ٣٠).
(٢) انظر شرح المفصّل (١ / ٤٢).
(٣) انظر شرح المفصّل (١ / ٦٢).